المصالحات بين الدول تضع في الاعتبار المصالح الحيوية والتفرغ للتحديات الاقتصادية

المصالحات
المصالحات

شهدت السنوات، بل الأشهر القليلة الماضية مصالحات تاريخية بين دول إقليمية، كانت الخلافات بينها قد بلغت ذروتها حد الحرب المباشرة أو غير المباشرة. أولى هذه المصالحات كانت المصالحة الخليجية مع قطر التي تم مقاطعتها وحصارها على خلفية دعمها لجماعات الإرهاب والنشاط الإعلامي الهدام لقناة الجزيرة ضد الدول العربية وخاصة الإمارات والسعودية ومصر.

بصيص الأمل جاء من الكويت وبفضل تحركات أمريكية من خلال الإعلان عن فتح كافة الحدود بين السعودية وقطر، هذا يضع حدًا لمقاطعة الدوحة منذ ثلاث سنوات، وهي انفراجة تجسدت بمشاركة أمير قطر في القمة الخليجية في مدينة العلا ٥ يناير ٢٠٢١م، والتي توصلت إلى بيان يؤكد على التضامن والاستقرار. 

المصالحة الإماراتية الإيرانية

ثاني هذه المصالحات الإقليمية كانت بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران، حيث وصل مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، إلى طهران في ديسمبر ٢٠٢١م.

قرقاش ولدى حديثه عن تلك الزيارة، شدد على أن بلاده تشارك المخاوف الإقليمية حول السياسات والأنشطة الإيرانية في المنطقة لكنها ترى أن "المواجهة ليست السبيل الأمثل للمضي قدمًا".

وأضاف أن الحوار والتعاون الاقتصاديَّين يشكلان جزءًا من إجراءات بناء الثقة مع إيران، وهو "أمر سيستغرق وقتًا"، مشيرًا إلى أن الحلفاء الخليجيين على علم بالتحركات الإماراتية، وأن الهدف من ذلك كله هو "فتح صفحة جديدة في العلاقات.

وفي أغسطس ٢٠٢٢م أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن سفيرها في إيران، سيف محمد الزعابي، سيعود إلى طهران "خلال الأيام المقبلة"، بعد أكثر من ست سنوات من تخفيض الدولة الخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية إيران الإسلامية. وقالت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان الأحد، إن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود الإمارات لتعزيز العلاقات مع إيران "لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين والمنطقة بشكل أوسع".

المصالحة المصرية التركية

أما ثالث هذه المصالحات التاريخية فكانت المصالحة المصرية التركية، حيث كانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توترًا حادًا وقطيعة غير مسبوقة على خلفية موقف تركيا المعادي لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣م في مصر، ومن ثم استضافة تركيا لقيادات الإخوان المصريين ودعمها والسماح لهم بنشاط إعلامي وسياسي هدام ومعادي لمصر.

خلال العام الماضي ٢٠٢٢م جرت جولات من الحوارات والمباحثات بين البلدين بدأتها قيادتا المخابرات في البلدين ثم على المستوى الدبلوماسي حتى توجت بالمصافحة التاريخية بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان أثناء افتتاح أولمبياد قطر نوفمبر ٢٠٢٢م.

المصالحة السعودية الإيرانية

أما المصالحة التاريخية الأهم فكانت بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية جمهورية الصين الشعبية.

وصدر يوم ١٠ مارس ٢٠٢٣م بيان ثلاثي مشترك لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية عن أنه جرت خلال الفترة من 6 - 10 مارس 2023م في بكين، مباحثات بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، والأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأعلنت الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعًا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22 / 1 / 1422هـ، الموافق 17 / 4 / 2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 2 / 2 / 1419هـ الموافق 27 / 5 / 1998م. وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

خاتمة

يفهم من هذه المصالحات أن المصالح الحيوية لهذه الدول قد اقتضت تجاوز الخلافات والبحث عن المصالح المشتركة لهذه الدول وبما يؤدي إلى استتباب الأمن والاستقرار الذي يوفر مناخًا ملائما للتفرغ للتحديات الاقتصادية ومواجهة الأخطار المشتركة.