أردوغان يزور القاهرة وعينه على مصالح استراتيجية واقتصادية

زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء الماضي، للعاصمة المصرية القاهرة، هي الأولى له كرئيس للجمهورية، منذ زار مصر كرئيس للوزراء في سبتمبر عام 2012.

خلال الفترة الفاصلة بين الزيارتين، مرت خلالها العلاقات بين القاهرة وأنقرة بمنعطفات حادة، تزامنت مع تقلبات حقبة الربيع العربي، بلغت حد سحب السفراء وتوقف أشكال التواصل الدبلوماسي الثنائي كافة، بل وقطيعة تامة بين قادة البلدين منذ عام 2013.

أسباب تقف خلف هذه القطيعة:

١- تأييد تركيا المطلق والمبالغ فيه حد التدخل السافر في شؤون مصر أثناء وبعد الاحتجاجات التي تصدرها تنظيم الإخوان في مصر في يناير ٢٠١١.

وعلى أثر سيطرة هذا التنظيم على مصر سارعت تركيا إلى تكثيف نشاطها وتبادل الزيارات المكثفة إلى حد أن الرئيس المصري الإخواني الدكتور محمد مرسي أثناء زيارته لتركيا في سبتمبر ٢٠١٢ حيث التقي بأردوغان وجول... حضر جزءا من فعاليات المؤتمر العام الثالث لحزب العدالة والتنمية بحضور رموز الحزب، وكان الملف السوري المسيطر على محادثات الجانبين بجانب.

وسعت تركيا في هذه المرحلة إلى رفع مستوى العلاقات مع مصر إلى التحالف الاستراتيجي.

٢- بعد الاطاحة بحكم الإخوان في مصر بانتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ مصر وانتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر أتخذ أردوغان موقفا متشددا ومعاديا لمصر، ودعم وتبنى بقوة المعارضة بما فيها المسلحة التي قادها تنظيم الإخوان ضد الرئيس السيسي.

٣- احتضنت تركيا قادة ورموز تنظيم الإخوان المصريين على اراضيها لمهاجمة ومعاداة مصر وتشويه الرئيس السيسي والجيش المصري وبث الشائعات والحرب النفسية ضد الشعب المصري.

٤- اتهمت القاهرة أنقرة بدعم الجماعات الارهابية المصرية بعد حظر تنظيم الإخوان واعتباره جماعة ارهابية...وقابلت أنقرة هذه الخطوة المصرية بمزيد من المواقف المعادية لمصر وكذلك التدخل التركي السافر في سورية وليبيا.

محطات على طريق تطبيع العلاقات:

١- في عام ٢٠٢١م صدرت تصريحات تركية عن الرغبة في تطبيع العلاقات مع مصر، وجرت حوارات غير معلنة بين أجهزة المخابرات في البلدين  ووكلاء من الخارجيتين قطعت شوطا مهما في اذابة جليد القطيعة بين البلدين المحوريين في المنطقة.

٢- جاءت المصافحة الشهيرة بين الرئيسين المصري والتركي في قطر مع انطلاق كأس العالم هناك في نوفمبر 2022، ثم لقاءات مباشرة في عواصم أخرى لاحقا، وما تبعه من إجراءات تقاربية متسارعة رغم بقاء نقاط اختلاف بين الجانبين.

٣- على أثر هذه المصافحة التاريخية قامت تركيا بتحجيم وسائل الإعلام المعارضة للنظام المصري المنطلقة من تركيا ومغادرة عدد من قيادات تلك المعارضة الإعلامية والسياسية تركيا لبلدان أخرى.

٤- تقاربت القاهرة وأنقرة بسرعة كبيرة عقب زيارة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري لتركيا عقب زلزال فبراير عام 2023، وتبادل وزيرا خارجية البلدين الزيارات حتى عادا سفيرا البلدين لمواقعهم وطُبعت العلاقات في منتصف العام الماضي.

٤- أخيرا كان لتركيا موقفا متقاربا إلى حد ما مع الموقف المصري من الحرب في غزة.

٥- في الملف الليبي، أعلنت الخارجية التركية مؤخرا انفتاحها على شرق ليبيا واعتزامها فتح قنصلية هناك، في ظل اتجاه تركي للتعاون مع كل من مصر والإمارات هناك، لا سيما في مجال الإعمار وإنهاء الانقسام بين الشرق والغرب.

٦- ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا بسلاسة ودون أي خلافات.

 أهمية وخلاصة زيارة أردوغان لمصر:

١- بينما كان المبدأ الذي يحكم العلاقات بين البلدين في مرحلة القطيعة هو "أنا أو انت" أصبح الآن المبدأ الذي يحكم هذه العلاقات هو "إدارة المنافسة بين البلدين على أساس الفوز المشترك وتقاسم المكاسب والغنائم في كل الملفات تقريبا".

٢- الجزء الأكبر من التحول في موقف الرئيس أردوغان نحو التقارب مع مصر والرئيس السيسي هو الضغوط التي تعرض لها من المعارضة التركية التي رأت في تعكر العلاقة بين القاهرة وأنقرة خسارة سياسية واقتصادية كبيرة ورغبتها في ضرورة "المصالحة مع الجوار".

٣- أدركت تركيا أن مرحلة  صعود تيار الاسلام السياسي قد انتهت تقريبا،  مما يفرض عليها إجراء مراجعة شاملة لسياساتها في المنطقة تقوم على المتغيرات والاستراتيجيات.

 ٤- سيكون لزيارة أردوغان إلى مصر تأثيرا كبيرا وايجابيا على المستوى الثنائي والمستوى الإقليمي ولعل التعاون الاقتصادي هو الأبرز ثنائيا ثم التنسيق بشأن ملفات إقليمية كليبيا وسوريا وفلسطين.

٤- أتت هذه الزيارة في ذروة التوتّر الذي تمرّ به المنطقة، مع استعداد الجيش الإسرائيلي لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية، واحتشاد الجيش المصري لمنع تهجير الفلسطينيين.

٥- الملف الأمني والعسكري، ويخص التعاون بين البلدين في هذا المجال، وتفاصيل التصنيع المشترك، ودراسة بيع طائرات مسيّرة تركية إلى مصر من أهم نتائج هذه الزيارة.

٦- تم الاتفاق على إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي المشترك بين البلدين، على أن يكون أول اجتماع للمجلس في إبريل المقبل، بزيارة الرئيس السيسي لأنقرة لأول مرة وهو رئيس لمصر.