الحرب الروسية الأوكرانية تضع تايوان بين فكي عملاقين

متن نيوز

منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تراقب الصين باهتمام بالغ مسار الحرب محاكاة لحرب متوقعة في تايوان التي تعتبرها الصين جزءا لا يتحزأ من أرضها.


تسعى بكين لضم تايوان، وهي جزيرة تقدر مساحتها بحوالي 37 ألف كم مربع، ويبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، باعتبارها مقاطعة صينية تتمتع بالحكم الذاتي، بينما تصر تايبيه على استقلالها منذ عام 1949.


الحياة الحديثة التي نعرفها قد تتوقف لسنوات إذا تعرضت تايوان، هذه الجزيرة للخطر.


بل إن هذه الجزيرة التي كانت مجهولة قبل عقود، قد بات من المحتمل أكثر من أي وقت مضى، أن تكون سببًا لحرب عالمية ثالثة مدمرة، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا، أن بلاده "قد تتصدى عسكريًا لأي محاولة صينية لغزو تايوان".


فجزيرة تايوان تعد بلدًا شديد الأهمية للغرب وأمريكا لكنها أكثر أهمية للصين،وحتى العالم كله. 


ورغم أن بايدن ومسؤولي إدارته يحاولون التملص من تصريحه المثير للجدل، لأنه يعد خروجًا عن سياسة الغموض الأمريكية التقليدية بشأن رد فعلها على أي غزو صيني لتايوان، فإنه لا يمكن فصل هذا التصريح عن حقيقيتين مثيرتين للقلق.


الأولى أن التنافس الأمريكي الصيني قد تفاقم لدرجة تجعل الحرب بين الدولتين العظميين لم تعد مستبعدة.


والثانية أن أهمية تايوان الاقتصادية والسياسية والعسكرية تتزايد للغرب وأمريكا ومجمل العالم.


تقع تايوان على بُعد نحو 100 ميل بحري من ساحل جنوب شرقي الصين، ضمن ما تسمى «سلسلة الجزر الأولى»، والتي تبدأ شمال اليابان وتمتد جنوب غربي تايوان والفلبين قبل أن تعرّج نحو فيتنام، أي إن هذه السلسلة تتضمن مجموعة من الأراضي الصديقة للولايات المتحدة.


وإذا استعادت الصين تايوان، فمن المتوقع أنها ستكون أكثر حرّية في استعراض القوة في منطقة غرب المحيط الهادئ، وربما تهديد بعض القواعد العسكرية الأميركية، مثل تلك الموجودة في جزر غوام وهاواي...رغم أن الصين تصر حتى الآن على أن نياتها سلمية بحتة.

لمحة تاريخية:


تشير المصادر التاريخية إلى أن الجزيرة خضعت لأول مرة للسيطرة الصينية الكاملة في القرن السابع عشر، ثم في عام 1895 تخلت مملكة تشينغ عن الجزيرة لليابان بعد خسارة الحرب الصينية اليابانية الأولى.


واستعادت الصين الجزيرة مرة أخرى في عام 1945 بعد خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية.


لكن بعد ذلك، نشبت حرب أهلية في الصين بين القوات الحكومية القومية بقيادة تشيانغ كاي شيك، والحزب الشيوعي الذي تزعمه ماو تسي تونغ. وانتصر الشيوعيون في عام 1949 وسيطروا على بكين.


ونتيجة لذلك، فر تشيانغ كاي شيك ومَن بقي من الحزب القومي إلى جزيرة تايوان، حيث حكموا لعدة عقود تالية.
وحاليًا، هناك 13 دولة فقط تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة.

العلاقات الصينية مع تايوان:


بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن في الثمانينيات. وقد طرحت الصين صيغة تعرف باسم "دولة واحدة ونظامان" تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين.
تم إنشاء هذا النظام في هونغ كونغ لاستخدامه كعرض لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الرئيسي.


رفضت تايوان العرض، لكنها خففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين.


وفي عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي.


وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان تشين شوي بيان رئيسا، شعرت بكين بالقلق، وكان تشين قد أيد صراحة "الاستقلال" أو الانفصال حسب تعبير الصين.


بعد عام من إعادة انتخاب تشين في عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان إذا حاولت "الانفصال" عن الصين.


خلف تشين شوي بيان في الرئاسة ما يينغ جيو، الذي سعى بعد توليه منصبه في عام 2008، إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية.
وبعد ثماني سنوات وفي عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنغ ون.


تقود تساي الحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، الذي يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.


بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، تحدثت إليه تساي عبر الهاتف في مكالمة مثيرة للجدل، نُظر إليها على أنها خروج عن السياسة الأمريكية الموضوعة في عام 1979، عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات الرسمية مع الجزيرة التايوانية.


وعلى الرغم من الافتقار إلى العلاقات الرسمية، تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير "قلقا كبيرا".


طوال عام 2018، صعّدت الصين من ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تمتثل.


لكن تساي فازت بولاية ثانية في عام 2020، وبحلول ذلك الوقت كانت هونغ كونغ قد شهدت شهورا من الاضطرابات، حيث تظاهر الكثيرون ضد النفوذ المتزايد للبر الرئيسي (الصين)، وهو تطور كان كثيرون في تايوان يراقبونه عن كثب.


في وقت لاحق من ذلك العام، كان يُنظر على نطاق واسع إلى تطبيق الصين لقانون الأمن القومي في هونغ كونغ، على أنه علامة أخرى على أن بكين أصبحت أكثر حزمًا في المنطقة.


رغم أن التقدم السياسي بين تايوان والصين كان بطيئا، إلا أن الاقتصاد والروابط بين الشعبين نمت بشكل كبير.
فقد استثمرت الشركات التايوانية حوالي 60 مليار دولار في الصين، ويعيش الآن ما يصل إلى مليون تايواني هناك، حيث يدير العديد منهم مصانع تايوانية.


لكن بعض التايوانيين يشعرون بالقلق من أن اقتصادهم يعتمد الآن على الصين، فيما يعتقد البعض الآخر أن توثيق العلاقات التجارية يجعل العمل العسكري الصيني بعيد الحدوث، لما قد يكون له من تكلفة كبيرة على الاقتصاد الصيني.

الموقف الأمريكي:


كثفت الولايات المتحدة تواصلها مع تايوان اطمأنت تايبيه على دعمها المستمر. 


هذا العام، قالت إدارة الرئيس جو بايدن إن التزامها تجاه تايوان "متين للغاية".
وطوال السنوات الماضية، كانت واشنطن دائمًا ما تنتهج سياسة «الغموض الاستراتيجي» رغم اعترافها بالصين الواحدة. ولم تكن تشير بوضوح لما إذا كانت ستدافع عن تايوان أو كيف ستدافع عنها في حالة وقوع هجوم.


لكن الرئيس الأميركي جو بايدن أكد أكثر من مرة أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان.

هل تستطيع تايوان الدفاع عن نفسها؟


يمكن أن تحاول الصين ضم تايوان بوسائل غير عسكرية مثل تعزيز العلاقات الاقتصادية.
لكن في أي مواجهة عسكرية، فإن القوات المسلحة الصينية ستفوق تلك الموجودة في تايوان.


تنفق الصين أكثر من أي دولة (باستثناء الولايات المتحدة) على الدفاع ولديها قدرات حربية هائلة، من القوة البحرية إلى تكنولوجيا الصواريخ والطائرات والهجمات الإلكترونية...ويعد الجيش الصيني ثالث أقوى جيش في العالم بعد الجيشين الأميركي والروسي.


وفي صراع مفتوح، من المتوقع أن تايوان يمكن أن تهدف في أحسن الأحوال إلى إبطاء الهجوم الصيني، ومحاولة منع هبوط القوات البرمائية الصينية على الشاطئ، وشن هجمات حرب العصابات أثناء انتظار المساعدة الخارجية.


ويمكن أن تأتي تلك المساعدة من الولايات المتحدة وربما من اليابان وكوريا الجنوبية اللتان تدفعهما الولايات المتحدة إلى المشاركة في الوقوف بوجه الصين.

أهمية تايوان بالنسبة لبقية العالم؟
الاقتصاد التايواني مهم للغاية.
يتم تشغيل الكثير من المعدات الإلكترونية المستخدمة يوميًا في العالم -من الهواتف إلى أجهزة الكومبيوتر المحمولة والساعات ووحدات التحكم في الألعاب- برقائق إلكترونية مصنوعة في تايوان.


ووفقًا لأحد المقاييس، تهيمن شركة تايوانية واحدة، هي شركة «تايوان سيميكونداكتور» على أكثر من نصف السوق العالمية في صناعة الرقائق.
وقد يمنح الاستحواذ الصيني على تايوان بكين الفرصة لتقييد هذه الصناعة التي تحتاج إليها دول العالم كله.


الخلاصة:


أكثر المتفائلين يشيرون إلى أن أزمة تايوان قد تنفجر في مدة أقصاها 2027 وهو السقف الزمني الذي خططت له الصين لتقوية جيشها لمواجهة أي تدخل خارجي والقصد هنا التدخل الأمريكي في ما تعتبره الصين شأنا صينيا ومصلحة بقاء بالنسبة للصين.