ما حقيقة اهتمام تركيا بتجارة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا؟

متن نيوز

سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إحياء مبادرة الحبوب في البحر الأسود يتجاوز مجرد الاهتمام الإنساني. فهو مقامرة محسوبة مدفوعة بتضافر الطموحات الدولية والضغوط المحلية والحسابات الاستراتيجية

 

قوبل العرض المشروط الذي قدمه بوتن لإحياء الاتفاق ــ الإزالة الكاملة للقيود المفروضة على الصادرات الزراعية الروسية ــ بالتشكك. ورغم أن المنتقدين الغربيين يعتبرون انسحاب روسيا مساهما في أزمة الغذاء، فقد رد بوتن عليهم مؤكدا أن القضية لها جذور أعمق. ويلقي بوتن باللوم على الغرب في أزمة الغذاء العالمية وينفي المسؤولية عن انهيار صفقة الحبوب.

 

رغم التفاؤل الحذر الذي أثارته مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن مؤسسة الحبوب العالمية لا تزال متورطة في مأزق مستعصي. وكان اقتراحه، الذي تضمن وصول شركة تابعة للبنك الزراعي الروسي إلى نظام سويفت، يهدف إلى معالجة مخاوف روسيا. ولكن هذا الاقتراح لم يكن كافيا. فلم تسفر المفاوضات عن أي اختراقات كبيرة، الأمر الذي ترك شريان الحياة الهش للأمن الغذائي العالمي معلقا في طي النسيان.

 

حظي اتفاق التجارة الحرة بين قبرص وتركيا بإشادة دولية كبيرة. فقد كشف استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في 17 دولة أن 67% ينظرون إلى دور تركيا في الاتفاق بشكل إيجابي. ومع ذلك، يواجه هذا الإشادة السابقة ضغوطًا معاكسة تتمثل في انتقادات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأخيرة الناجمة عن الاشتباكات في قبرص.

 

سلط المجلس الضوء على التوترات الإقليمية المتزايدة بينما أدان هجومًا شنته قوات الأمن القبرصية التركية على أعضاء قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

 

يؤكد هذا الانتقاد على الحاجة الملحة لأردوغان لتأمين فوز دبلوماسي، وهو السبيل المحتمل الذي توفره إعادة إحياء اتفاقية التجارة الحرة بين قبرص وتركيا.

 

إعادة إحياء صفقة الحبوب من شأنها أن تعزز صورة أردوغان من خلال مواجهة الانتقادات وإظهار تفانيه في الحوار والتعاون والأمن الغذائي العالمي. 

 

وهذا يتماشى تمامًا مع دور تركيا كقوة ضامنة في قبرص ودعمها لاتحاد ثنائي المنطقة وثنائي الطائفة. ولن يؤدي هذا إلى ترسيخ النجاحات السابقة فحسب، بل سيدفع أردوغان أيضًا إلى العودة إلى دائرة الضوء الدولية.

 

على الصعيد المحلي، تواجه تركيا تحديات اقتصادية، حيث تجاوز التضخم 64٪ في يناير 2024. وقد أدى هذا إلى تآكل القدرة الشرائية ومستويات المعيشة لملايين الأتراك، وخاصة الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة الدنيا التي تشكل جوهر قاعدة دعم أردوغان. كما جاء التضخم المرتفع مع ضعف العملة، وعجز كبير في الحساب الجاري، وانخفاض مستوى احتياطيات النقد الأجنبي، وارتفاع مستوى الديون الخارجية.

 

أثرت هذه المشاكل الاقتصادية على شعبية أردوغان ومعدلات تأييده، التي انخفضت إلى أقل من 40٪. يواجه أردوغان، الذي كان في السلطة منذ عام 2003، تحديًا هائلًا من كتلة معارضة موحدة. واتهمت المعارضة أردوغان بسوء إدارة الاقتصاد وتقويض الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان واتباع سياسة خارجية مغامرة. رفض أردوغان هذه الانتقادات باعتبارها جزءًا من مؤامرة مدعومة من الخارج للإطاحة به وإضعاف تركيا.

 

إحياء صفقة الحبوب مع روسيا بنجاح قد يصرف الانتباه عن هذه القضايا المحلية وقد يعزز من مكانة أردوغان المحلية. وقد يزعم أنه

 

يسعى أردوغان إلى تحسين العلاقات مع روسيا، التي توترت بسبب مصالحهما وتدخلاتهما المتباينة في سوريا وليبيا والقوقاز. في هذه الصراعات الثلاثة، دعمت روسيا وتركيا أطرافًا متعارضة.

 

يعتقد أردوغان أنه من خلال الانخراط في الحوار والتعاون مع روسيا، يمكنه إدارة هذه الصراعات ومنعها من الخروج عن نطاق السيطرة. ويأمل في إيجاد أرضية مشتركة وفوائد متبادلة مع موسكو بشأن قضايا أخرى، مثل التجارة والطاقة والأمن. ويرى أردوغان روسيا كشريك محتمل وثقل موازن للغرب.

 

مع ذلك، فإن التوازن الدقيق الذي تقوم به تركيا بين التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي وشراكتها المتنامية مع روسيا، يزيد من تعقيد الموقف.

 

بعيدًا عن الاقتصاد، يحمل مؤشر الحبوب العالمي أهمية إنسانية. إن إحياء مبادرة الأمن الغذائي العالمي من شأنه أن يخفف من حدة أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت بسبب حرب أوكرانيا. وت

 

 إن إحياء مبادرة الأمن الغذائي العالمي يسمح لأردوغان بإظهار التزامه بجهود الأمن الغذائي العالمي، ووضع تركيا كلاعب رئيسي في معالجة أحد أكثر تحديات القرن الحادي والعشرين إلحاحًا.