البعد الديني والإيدلوجي والتحديات المستقبلية.. نظرة على خطاب نعيم قاسم

نعيم قاسم
نعيم قاسم

تحليل الخطاب الذي ألقاه قبل قليل نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بعد مقتل الأمين العام حسن نصر الله يتطلب النظر في عدد من النقاط الأساسية التي يبرزها الخطاب، وسأقوم هنا بتحليل أبرزها من الناحية السياسية والإيديولوجية:

 

البعد الديني والإيديولوجي:

   خطاب نعيم قاسم مشبع بالمفردات الدينية الشيعية والإسلامية مثل "الإسلام المحمدي الأصيل" و"خط الإمام الخميني"، ويشدد على العلاقة الروحية التي تربط الحزب بإرث الثورة الإسلامية الإيرانية. هذه اللغة تؤكد أن حزب الله يرى أن مشروعه يتجاوز البعد الوطني اللبناني ليكون جزءًا من مشروع إقليمي أكبر مرتبط بإيران والثورة الإسلامية. تأطير مقتل حسن نصر الله في إطار الشهادة الحسينية يهدف إلى تقديم القائد الراحل كقديس مقاوم، مما يرفع مكانته الرمزية بين أتباع الحزب.

 

استمرارية المقاومة:

   قاسم يؤكد مرارًا على أن مقتل نصر الله لا يعني ضعفًا في صفوف حزب الله، بل يشير إلى الاستمرارية في القيادة والسيطرة. يتم تسليط الضوء على أن القيادة وضعت خططًا بديلة لاستيعاب الخسائر الكبيرة، مما يعزز رسالة الحزب بأن المقاومة باقية رغم كل التضحيات.

 

إسرائيل والولايات المتحدة كعدوين رئيسيين:

   الخطاب يركز على مهاجمة إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارهما العدوان الأساسيان. يتم وصف إسرائيل بأنها دولة معتدية ترتكب المجازر بحق المدنيين، بينما الولايات المتحدة متهمة بدعم إسرائيل بكافة الأشكال، ما يبرز العداء الدائم بين حزب الله وحلفائه من جهة، وإسرائيل والغرب من جهة أخرى. هذه اللغة توحد الجمهور حول قضية مركزية: العداء المستمر ضد إسرائيل ومقاومة النفوذ الأمريكي في المنطقة.

 

 الاستجابة الشعبية:

   يُشيد قاسم بالتضامن الشعبي اللبناني والإسلامي مع الحزب في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدًا على أن هذا التضامن هو جزء من المقاومة المستمرة. يحاول الحزب من خلال هذا النوع من الخطاب تعزيز وحدته الداخلية واستدامة دعمه الجماهيري.

 

التحديات المستقبلية:

   على الرغم من الاعتراف بالضربات التي تلقاها الحزب (منها اغتيال حسن نصر الله وقادة آخرين)، يؤكد قاسم أن الحزب مستعد لأي تصعيد محتمل، بما في ذلك احتمالات الغزو البري الإسرائيلي. هذه الرسائل تعكس رغبة حزب الله في التأكيد على جاهزيته واستعداده المستمر لمواجهة أي تهديد.

 

الخطاب يعكس طبيعة حزب الله كحركة مقاومة مسلحة تقوم على أساس إيديولوجي ديني وإقليمي، حيث يعزز من أهمية الاستمرار في خط المقاومة رغم الخسائر الكبرى. الاستراتيجيات المستقبلية التي تم التطرق إليها تشير إلى أن الحزب لا يعتبر مقتل حسن نصر الله نهاية لمشروعه، بل نقطة تحول لمواصلة النضال ضد "العدو الإسرائيلي".

 

لفحص خطاب نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بعد مقتل حسن نصر الله، يمكن تسليط الضوء على عدد من النقاط التي تشير إلى أن الاستمرار في هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج سلبية كارثية للبنان:

 

تعزيز الانقسام الداخلي:

   - رغم أن الخطاب يركز على المقاومة ضد إسرائيل وتوحيد الجبهة الداخلية، إلا أن الواقع السياسي اللبناني معقد ومتنوع طائفيًا وسياسيًا. حزب الله يمثل فئة معينة من المجتمع اللبناني، وبالتالي خطاب الاستمرار في نهج المقاومة المسلح قد يثير انقسامًا أوسع داخل البلاد. استخدام الدين والإيديولوجيا الشيعية قد يعمّق الهوة بين مكونات المجتمع اللبناني ويزيد من التوترات الطائفية، مما يقوض الاستقرار الداخلي.

 

استمرار المواجهة مع إسرائيل:

   - الدعوة إلى استمرار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل تُعدّ دعوة لمزيد من التصعيد. لبنان عانى من دمار واسع في الحروب السابقة مع إسرائيل، وخاصة حرب 2006، والتي أدت إلى خسائر فادحة في البنية التحتية والحياة البشرية. العودة إلى خيار الحرب المفتوحة أو التحضير لها سيعرض لبنان لخطر التدمير مرة أخرى، وهو أمر لا يمكن للبنان تحمله في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.

 

عزلة لبنان دوليًا:

   - خطاب حزب الله، الذي يهاجم الولايات المتحدة والدول الغربية ويدعم سياسات إيران في المنطقة، يعزل لبنان عن محيطه الدولي. لبنان يحتاج إلى علاقات إيجابية مع القوى الكبرى والدول الخليجية للحفاظ على استقراره الاقتصادي والسياسي. تبني سياسات مقاومة عنيفة ضد الغرب وإسرائيل يجعل من الصعب على لبنان الحصول على الدعم الدولي الضروري لإعادة البناء الاقتصادي والسياسي.

 

تحويل لبنان إلى ساحة للصراعات الإقليمية:

   - خطاب نعيم قاسم يؤكد على التزام الحزب بخط الإمام الخميني والسياسات الإيرانية. هذا يجعل من حزب الله أداة إقليمية في يد إيران، ويحول لبنان إلى ساحة لصراعات دولية وإقليمية، مما يعرضه لضغوط وتهديدات مستمرة من قبل القوى المعادية لإيران. في النهاية، لبنان يصبح رهينة للتوترات بين طهران وخصومها في المنطقة.

 

 التركيز على المقاومة على حساب الاقتصاد والتنمية:

   - الخطاب يضع المقاومة المسلحة في قلب المشروع السياسي لحزب الله، مما يعني أن التركيز الأساسي للحزب سيظل على العمل العسكري والدفاعي. في المقابل، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتحتاج الحكومة إلى التركيز على إعادة بناء الاقتصاد وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين. استمرار حزب الله في نهج المقاومة على حساب القضايا الاقتصادية والاجتماعية يعمق الأزمة ويزيد من معاناة الشعب اللبناني.

خطر فقدان الشرعية الشعبية:

   - بينما يصف الخطاب حزب الله كحامي للمقاومة وممثل لمصالح الشعب، إلا أن الخطابات التي تركز على الحرب والمقاومة قد تفقد شعبيتها في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان. الشعب اللبناني، الذي يعاني من فقر وبطالة وانهيار الخدمات الأساسية، قد يفقد صبره مع خطابات المقاومة المسلحة التي لا تحقق لهم تحسينًا في حياتهم اليومية، مما يهدد شرعية حزب الله محليًا.