هاني مسهور لـ"متن نيوز": الإخوان تعيش حالة تشتت وترهل ولهم عداء تاريخي مع مناطق جنوب اليمن (حوار)
عودة دولة الجنوب اليمني يخدم الأمن القومي العربي.. والإخوان يعرقلون كل مشروع وطني
الاخوان في اليمن حصلت على ثروات مالية هائلة من الحرب
أفرع الجماعة تعيش تشتت وترهل ويمكن التدليل على الفرع التونسي
اليمن سيظل في صراعات اثنية ما لم يتم اعتبار الجماعات الدينية جماعات محظورة على غرار ما قررته دول الاعتدال العربي
جماعة الإخوان لها عداء تاريخي مع الجنوب كون الجنوب كان بيئة طاردة لفكر الجماعة
الجنوب يرفض وجود الجماعة لأن أفكار الإخوان تتعارض مع الحاضنة الشعبية الجنوبية ذات النزعة الوطنية القومية والرافضة تماما للفكر الشمولي الديني
أكد هاني مسهور، المحلل السياسي اليمني والكاتب بالصحف السعودية، أن تنظيم الإخوان المسلمين يعيش في تلك الفترة حالة تشتت واضحة، في كل مناطق العالم، في ظل الخلافات التي تعصف بالتنظيم خلال تلك الآونة، مبررًا ذلك بضعف التنظيم في تونس في ظل إجراءات شعبية ورئاسية لوقف تمدد التنظيم في البيئة السياسية التونسية.
وأضاف مسهور في حوار له مع "متن نيوز" أن عودة دولة الجنوب سيخدم الأمن القومي العربي بشكل كبير، ملمحًا إلى أن استعادة دولة الجنوب سياسياً سيوفر عامل الأمن المفقود بعد اختلالات النظام السياسي السابق بتسليم اليمن الجنوبي للعناصر الارهابية تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين الارهابية.
وإلى نص الحوار..
- صرحت سابقًا أن إعادة دولة الجنوب يحفظ الأمن القومي العربي.. كيف يمكن أن ترد على من يقول أن ذلك يهدد الأمن القومي العربي؟
الموضوعية تقول أننا لابد لنا من تعريف "الأمن القومي العربي" فهذا ليس مصطلح فضفاض بمقدار ما له من محددات واضحة، فلم يعرف العربي عملياً هذا المفهوم المتكامل إلا مع إعلان الرئيس المصري جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، ذلك الحدث التاريخي رسم خارطة الأمن القومي العربي وحدد العلاقات السياسية العربية بموجب المحافظة على الممرات المائية وما على الدول العربية من مسؤولية كل حسب موقعه الجغرافي. ومنذ العدوان الثلاثي على مصر قد تشكلت من بعده أطر قانونية صيغت ضمن مقررات الجامعة العربية غير أن الدور المصري في الحقبة الناصرية كان الأكثر حيوية بل وديمومة فلقد شكلت مساهمات مصر في دعم حركات التحرر الوطني في البلدان العربية عقيدة أمنية واحدة يمكن استشرافها في نموذج جنوب اليمن الذي بعد استقلاله في عام ١٩٦٧ كان حريصاً على تأمين باب المندب والممر الساحلي على بحر العرب. في حرب الاستنزاف كانت طلائع للقوات البحرية المصرية تتواجد على مشارف باب المندب (بحسب الوثائق التاريخية المصرية) كانت تلك العمليات تجري بتنسيق ثنائي بين عدن والقاهرة وامتدت حتى انطلاق حرب اكتوبر ١٩٧٣ وسماح اليمن الجنوبي للقوات البحرية المصرية باغلاق باب المندب عبر بارجة بحرية مصرية اغلقت مدخل البحر الأحمر ; لمنع وصول أي مساعدات عسكرية لاسرائيل. مؤخراً تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن باب المندب باعتباره ضرورة من ضرورات الأمن القومي العربي مما يؤكد العقيدة الجيوسياسية للتكامل الأمني بين باب المندب وقناة السويس، ولهذا فأن استعادة دولة الجنوب سياسياً سيوفر عامل الأمن المفقود بعد اختلالات النظام السياسي السابق بتسليم اليمن الجنوبي للعناصر الارهابية تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين الارهابية.-
صف لنا وضع العلاقة بين تنظيم الإخوان وجماعة الحوثيين في اليمن؟ وتأثير ذلك على مستقبل اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص؟
علاقة جماعات الاسلام السياسي في اليمن لها خصوصيتها فهي تتخذ من عباءة القبيلة الغطاء الذي يغطي أنشطتها وتوافقاتها وحتى مشاريعها كما حصل في مرحلة التوافق بين جماعة الحوثي وتنظيم الاخوان مع الربيع العربي بالتحالف الضمني لإسقاط العاصمة صنعاء. التداخل القبلي يلعب دور رئيسي في تحديد مراحل التوافق وحتى الصراع الدامي بين جماعات الاسلام السياسي اليمنية، غير أن هناك إشارات أساسية ومراحل تخادم تاريخية منها ما بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ المصرية فبعد سقوط حكم الإخوان في مصر وبحسب وثائق للاستخبارات الإيرانية نشرتها (نيويورك تايمز) أن لقاء ضم قيادات من التنظيم الدولي لجماعة الاخوان مع قيادات من الحرس الثوري الايراني في تركيا تم فيه التوافق على تحويل اليمن لمنطقة استنزاف سياسي وعسكري واقتصادي للسعودية والامارات رداً على موقف الرياض وابوظبي المؤيد للثورة المصرية، وعلى ضوء ذلك نكتشف السبب المباشر في اطالة الحرب والتخادم بين الطرفين لاستنزاف التحالف العربي بأقصى درجة ممكنة على حساب المناطق الجنوبية المحررة.
- يمر تنظيم الإخوان بالكثير من الخلافات الان .. هل سيؤثر ذلك على طبيعة تحركات التنظيم في المنطقة وبالتحديد في اليمن؟
فرع التنظيم في اليمن يعتبر الأقدم فلقد نشأ بعد عام واحد من تأسيسه على يد حسن البنا في ١٩٢٨ فالوثائق التاريخية تؤكد أن محمد الزبارة (يمني) أسس الفرع الأول للجماعة في مدينة تعز عام ١٩٢٩ أي بعد عام واحد من تأسيسها في الاسماعيلية، انتشرت الجماعة في اليمن وارتبطت تاريخياً بحلقات القرآن الكريم والمعاهد التي مازاات تحت سيطرة الجماعة. لا توجد دراسات وافية واستقصائية حول فرع الجماعة في اليمن غير أن الدلالات توضح أنه الفرع التنظيمي الأكثر قوة وتماسك وما يعزز ذلك أنه حاليًا يسيطر على جيش قوامه يتجاوز ٢٥٠ ألف مقاتل (مؤدلج) قد لا يمتلكون التسليح والتدريب العسكري لكنهم يمتلكون العقيدة الإخوانية المتقاطعة مع تنظيمات داعش والقاعدة وهذا مكمن الخطر. قيادات جماعة الإخوان في اليمن حصلت على ثروات مالية هائلة من الحرب بالإضافة للغطاء السياسي الذي مكنها من التحرك وإنشاء كيانات إقتصادية كبيرة في تركيا وشرق آسيا وأوروبا لتموبل نشاطات الجماعة وهو ما سيعوض التنظيم الدولي خلال المرحلة القادمة في حال تزايدت حالة التشظي وأثرت على التدفقات المالية للجماعة.
- التنظيم ينظم مظاهرات شعبية في السودان.. ويتحالف مع القاعدة والحوثي في اليمن.. ويزيد التعقيد في تونس.. كيف تفسر تلك التحركات المشبوهة في المنطقة؟
جماعة الإخوان تعيش أصعب مرحلة من تاريخها على الإطلاق فالمسألة ليست صراع أجنحة داخل الجماعة بل صراع وجودي في ذاتها، وهي تشابه تاريخياً نهاية الحشاشين عند نهايتهم، هذا لا يعني أن النهاية منظورة في مدى قريب قد يكون في المدى المتوسط ممكن ولذلك تستثار أفرع الجماعة في مناطق نفوذها كالسودان واليمن. أفرع الجماعة تعيش تشتت وترهل ويمكن التدليل على الفرع التونسي الذي يتصدره أحد أكبر قيادات الجماعة فالغنوشي ليس شخصية عادية بل يعد تنظيمياً من رؤوس الجماعة، خسارة الغنوشي في تونس تظهر مدى الضعف بل حتى القدرة على المناورة فقدتها الجماعة في تونس وكذلك في مجمل افرعها على امتداد الشمال الأفريقي. ما يمكن للجماعة اللجوء إليه وهذه مسألة منتظرة الايعاز لمخالبها الخشنة بالتحرك، فالتنظيمات الإرهابية التي ولدت من رحم الجماعة كداعش والقاعدة وجبهة النصرة وانصار بيت النقدس وانصار الشرعية وبوكو حرام قد تنشط لارباك المشهد ومحاولة تغيير المعادلات القائمة والتي تؤدي جميعها لنهاية الجماعة أن نجحت في المقابل دول محور الاعتدال العربي (مصر والامارات والسعودية) من توجيه الضربة القاتلة للجماعة.
- هل أذرع تنظيم الإخوان الان قادرة على التمدد وكسب أراض جديدة خاصة في اليمن؟
الحقيقة أن تنظيم الإخوان وتحت عباءة الشرعية يمتلك مساحة جغرافية واسعة وهذه اشكالية خطيرة يستوجب معالجتها بالضغط على قيادة الشرعية اليمنية بضرورة هيكلتها واستبعاد الشخصيات المنضوية ايدلوجياً في تنظيم الإخوان، وعدم اتخاذ هذا الإجراء يعني بوضوح أن اليمن ستتقاسمه قوى الاسلام السياسي شمالاً سيكون موالياً لمحور ما يسمى المقاومة وجنوباً سيظل يعيش اقتتالاً طويلاً ودامياً فالجنوب الشافعي سيرفض الخضوع للسيطرة الدينية المؤدلجة. اليمن سيظل في صراعات إثنية ما لم يتم اعتبار الجماعات الدينية جماعات محظورة على غرار ما قررته دول الاعتدال العربي، هذا مدخل للحل في اليمن فترك الجماعات الدينية تمارس السلطة السياسية تحت عناوين فارغة المضمون كالديمقراطية والتعددية في بلد تتفشى فيه الأمية ويعيش شعبه في أعلى معدلات الفقر العالمية تبدو مسألة تتطلب مراجعة فلا يمكن انشاء بلد مستقر بدون اشتراطات تكون أولها الواقعية السياسية.
- هل يمكن أن تلفظ اليمن الإخوان كما لفظتها مصر وكسرت على شوكتها؟
تغول جماعة الإخوان في شمال اليمن أكثر قوة وتماسك من ما يمكن التنبوء به فللجماعة قوة صلبة لا يستهان بها ولها حواضنها الشعبية التي تتغذى دائماً من الأمية والفقر وتمرير الشعارات وافتعال المعارك الإعلامية لتوفير الزخم مما يمنحها قواعد جماهيرية تزاحم بها خلال المنافسات السياسية. وأعتقد أنه من الصعب تغيير التوجهات من دون أن تتغير توجهات القوى الإقليمية الداعمة لجماعة الإخوان في الخارج وهذا يتطلب إرادة دولية بتغيير نهج الدول الداعمة سياسياً ومالياً لتغيير جزئي وليس كامل فالعقيدة الإخوانية لها نشاطها الفاعل والمؤثر في اليمن وتغييرها يحتاج لقرار سياسي.
- هل يمكن أن يشارك حزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسية للإخوان في اليمن في أي تسوية تضمن استقلال الجنوب في اليمن؟
جماعة الإخوان لها عداء تاريخي مع الجنوب كون الجنوب كان بيئة طاردة لفكر الجماعة منذ عهد السلطنات والمشيخات أي قبل الاستقلال الأول في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧، تزايد النفور بين الجنوب وجماعة الإخوان بعد سيطرة اليساريين في جنوب اليمن فضلاً للتباعد الفكري بين القومية الناصرية المشدود لها الجنوب وفكر الاسلام السياسي الداعي لاسقاط الدولة الوطنية على حساب دولة الخلافة. الصراع التاريخي سيظل واحد من محددات الزمن المعاصر والمستقبل فلن يقبل الجنوب بوجود الجماعة فهو يتعارض مع الحاضنة الشعبية الجنوبية ذات النزعة الوطنية القومية والرافضة تماما للفكر الشمولي الديني، هذا التحديد لشكل الصراع لن يتيح فرصة لتلاقي طرفي النقيض بمقدار ما سيعزز التنافر والتباعد واستدامة الصراع خاصة وأن القوى الحنوبية تعتبر اجتثاث جماعة الإخوان واحدة مز اولوياتها الواجبة وطنياً في سياق مكافحة الإرهاب.
- إيران أمدت ذراعها (الحوثي) في مناطق الشمال.. كيف يمكن تقويض تحركات إيران في اليمن لوقف الهجمات على السعودية؟
التاريخ يجيب على هذا السؤال فاليمن الذي تصارع بين الجمهوريين والملكيين تزاوج مع توافق الزعيم عبدالناصر والملك فيصل في ستينيات القرن العشرين مما أجبر القوى اليمنية القبلية للتزاوج عبر (مؤتمر خمر) ووضعت الحروب اوزارها وظلت توزانات السلطة السياسية في إطار يظهر للخارج أنه نظام جمهوري بينما الواقع أنه امتداد لحكم المذهب الزيدي. الاتصالات السعودية الإيرانية ستصل لتفاهمات لوقف الحرب في اليمن وسيعرف اليمنيين كيف يرتبون سلطتهم السياسية بما يقنع القوى الإقليمية والدولية بالتوافقات، المستقبل اليمني لا يتطلب عرافاً لمعرفة شكله بمقدار ما يتطلب استيعاب أن لليمنيين أسلوبهم في التوافق السياسي الذي سيرضي الخارج ويبقي الجمر تحت الرماد.
سيظل مستقبل الجنوب هو المعلق في ظل تسويات مقبلة على المنطقة ستشمل شمال اليمن بينما الجنوب سيبقى مساحة لتفريغ شحنات الصراعات التقليدية فلن تتناسى قوى الشمال بكل ما فيها من انتماءات أن الجنوب وضعها أمام أعين الإقليم في مواقف متواضعة لم يكن ليكون فيها لولا أن الجنوبيين انخرطوا في محور الاعتدال العربي على حساب الشمال الذي تشظى بين مرتمي في المحور المعادي وبين مرتضي بأن يكون ساعياً في اللامشروع.