نتائج محدودة: تداعيات محادثات واشنطن وموسكو حول الأزمة الأوكرانية

بوتين وبايدن
بوتين وبايدن

أخفقت عدة جولات من الحوار بين روسيا والغرب في التوصل لتوافق حول مطالب روسيا الأمنية، وذلك بعد اتهام واشنطن موسكو بأن حشودها العسكرية قرب الحدود الأوكرانية ما هي إلا غطاء لغزو روسي محتمل لأوكرانيا مطلع عام 2022، فقد عقدت قمة افتراضية بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي، جو بايدن، في 30 ديسمبر 2021، كما عقدت ثلاث جولات من المفاوضات، في منتصف يناير 2022، بين روسيا وموسكو، وأخفقت جميعها في التوصل لتهدئة للأزمة القائمة بين الجانبين. 

ففي 10 يناير عقدت محادثات جنيف بين روسيا والولايات المتحدة، ثم اجتماع مجلس روسيا – الناتو في 12 يناير، والذي لم ينعقد منذ عامين ونصف، كما شاركت روسيا، في اليوم التالي، في اجتماع فيينا للمجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. 

محادثات على وقع التصعيد:

جاءت المحادثات بين روسيا والغرب على خلفية تصاعد التوتر بين الجانبين حول أوكرانيا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- اتهام روسيا بالتحضير لغزو أوكرانيا: تداولت أجهزة المخابرات الغربية والأوكرانية تقديرات بأن الجيش الروسي يستعد لغزو أوكرانيا مطلع 2022. فقد أكد وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف أن "الوقت الأكثر ترجيحًا للوصول إلى الاستعداد للتصعيد سيكون نهاية شهر يناير". 

وتقدر المخابرات الأمريكية بأن ما يصل إلى 175 ألف جندي روسي يمكن أن يشاركوا في هذه التحركات في وقت مبكر من يناير. ويعتقد مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، أن بوتين "يضع الجيش الروسي وأجهزة الأمن الروسية في مكان يتيح لهم التصرف بطريقة شاملة للغاية".

2- اتهام واشنطن موسكو بشن عملية تمويه: أكدت الولايات المتحدة في 13 يناير أن لديها معلومات استخباراتية على أن نشطاء تدربوا على حرب المدن وعلى استخدام المتفجرات لتنفيذ أعمال تخريبية ضد القوات الروسية بالوكالة، ومن ثم خلق ذريعة لغزو أوكرانيا، وذلك وفقًا لما ألمح إليه مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بينما أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية في 14 يناير، أن "الوحدات العسكرية في الدولة المعتدية وأقمارها الصناعية تتلقى أوامر بالتحضير لمثل هذه الاستفزازات".

3- إعداد واشنطن سيناريوهات مختلفة: صرحت نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، في 16 يناير 2022 أن الولايات المتحدة قد "طورت 18 سيناريو مختلفًا للعمل في حالة حدوث تصعيد حول أوكرانيا"، وهي التصريحات التي سخر منها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والذي أكد وجود منافسة حادة بين المؤسسات الأمريكية وسباق حول إصدار هذه السيناريوهات.

أهداف واشنطن من المحادثات

يمكن القول إن عقد هذه الجولة من المحادثات مع موسكو كان مهمًا بالنسبة لواشنطن بالنظر إلى ما يلي: 

1- اختبار نوايا روسيا: جاءت هذه المحادثات لتختبر واشنطن نوايا روسيا من حشدها لقواتها بالقرب من الحدود الأوكرانية، فقد أصدرت واشنطن وأوكرانيا العديد من التقارير الاستخباراتية، والتي تتهم موسكو بالاستعداد لشن هجوم ضد موسكو. ويبدو من هذه التقديرات المتواترة أنها تستهدف استطلاع الموقف الروسي.

وتدرك واشنطن أن توظيف خطاب التهديد تجاه موسكو بات غير مجدٍ، خاصة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بات مصرًا على الحفاظ على الأمن القومي الروسي، وذلك عبر الحصول على ضمانات جدية من الولايات المتحدة بعدم قبول الناتو عضوية الدول التي كانت جزءًا في السابق من الاتحاد السوفييتي.

2- إمكانية التمهيد للوصول إلى حل وسط: كانت محادثات جنيف تسعى فيما يبدو لاستيعاب بعض الهواجس الأمنية الروسية، وذلك على الرغم من التصريحات السلبية. فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تنصاع للمطالب الروسية بمنع عضوية أوكرانيا في الحلف، كما أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، في ديسمبر 2021، إن حلف الناتو يتمسك بموقفه الداعم لعضوية أوكرانيا في الناتو. 

وعلى الرغم من هذه المواقف، فإنه من الواضح أن هناك العديد من العقبات التي تعوق ذلك، أبرزها ضرورة الحصول على موافقة جميع أعضاء الناتو الـ30 على انضمامها للحلف، وهو أمر مستبعد تمامًا، فقد أكد أندريه يرماك، رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، في 15 يناير 2022، أن بعض أعضاء الناتو يعارضون انضمام أوكرانيا إلى الحلف.

أهداف الكرملين الحقيقية

من الواضح أن موسكو عازمة على تأمين مجالها الحيوي، أي وجودها المباشر، ومنع الولايات المتحدة من الوجد قرب حدودها، وتعتمد أسلوب الضغط العسكري على أوكرانيا لتحقيق ذلك، إذ إن تلويح بوتين بالحرب يهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:

1- الحد من توسع حلف الناتو: يخشى الروس من التوسيع المحتمل لعضوية حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا، وأعلنت روسيا صراحة رفض انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف، أو أي دولة أخرى كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق. 

2- الاتفاق على نظام أمني جديد: تسعى موسكو للتفاوض على نظام جديد شامل للأمن في أوروبا، يأخذ في الاعتبار مصالح روسيا الأمنية، ويتجاوب مع حقيقة تمدد النفوذ الروسي في السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، يبدو من الواضح أن الكرملين لم يلتزم الصَّمت في مواجهة محاولات واشنطن محاصرة روسيا في جوارها المباشر، وعلى هذا النحو، يُسرع لفرض أسلوب جديد في مقاربة الملفات الخلافية، وهو أسلوب يعتمد على فرض سياسة الأمر الواقع. 

نتائج دبلوماسية محدودة

يلاحظ أنه على الرغم من أن نتائج المحادثات بين الجانبين كان متواضعًا، ولم يتم التوصل إلى تفاهم شامل حول القضايا الخلافية، فإنه قد تم تحقيق عدد من الأهداف، وذلك على النحو التالي: 

1- حوار استكشاف نوايا: لم يبد المفاوضون الأمريكيون والروس أي علامة على تقليص حجم خلافاتهم في التصريحات الصحافية، التي أدلوا بها بعد جلسة الحوار التي انعقدت في جنيف؛ حيث خرج الجانب الأمريكي ليؤكد "أن المحادثات كانت عبارة عن مناقشة، وفهم أفضل لبعضنا البعض فلم تصل إلى كونها مفاوضات"، وبالمثل، أشار الجانب الروسي إلى أن المحادثات كانت صعبة، وطويلة، ومن دون محاولات للتغطية على بعض الجوانب الحادة بشأن القضايا الخلافية بينهما.

2- استمرار الخلاف حول توسع الناتو: قالت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، عقب انتهاء المحادثات، إن الولايات المتحدة تقاوم المقترحات الأمنية التي قدمتها روسيا، بما في ذلك مطالبها بعدم قبول أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي. 

وأضافت "أن واشنطن لن تسمح لأي شخص بأن ينتقد سياسة الباب المفتوح التي يتبعها الناتو، وهي من المبادئ المركزية للحلف"، إذ إن العضوية مفتوحة لأي دولة مؤهلة، ولا يتمتع أي طرف خارجي بحق النقض.

وفي المقابل، كشفت المحادثات عن إصرار الكرملين على ضرورة الحصول على ضمانات تمنع توسع الحلف ليضم أوكرانيا وغيرها من الدول السوفييتية السابقة، ويبدو أن الروس يتمسكون بهذا المطلب باعتبار أن عدم تحقيقه يُمثل تهديدًا للأمن القومي الروسي.

3- محاولة حصر التفاوض على القدرات الدفاعية: أكدت الإدارة الأمريكية، على لسان نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، التي أدارت المحادثات مع الجانب الروسي، وكذلك جوليان سميث، السفيرة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي أنهما على استعداد لصياغة مقترحات للحدّ من مخاطر الصراع، فيما يتعلق بنزع الأسلحة التقليدية والنووية، خصوصًا المتعلقة بوقف نشر القدرات الدفاعية في أوروبا، وتحديدًا فرض قيود على أنظمة الصواريخ الغربية، والتدريبات العسكرية في أوكرانيا وحولها.

4- استمرار خيار العقوبات: هددت واشنطن، على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، باتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية ضد الروس إذا قرروا غزو أوكرانيا، فضلًا عن إعلان الاتحاد الأوروبي رسميًا تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا حتى نهاية يوليو القادم، وذلك في 13 يناير، كما أعلنت الولايات المتحدة تقديم حزمة مساعدات عسكرية سرية إلى أوكرانيا بقيمة 200 مليون دولار، بهدف تعزيز القدرات الهجومية والدفاعية لكييف، وإن كان من الملحوظ أن مثل هذه المساعدات لن تحد من التفوق العسكري الروسي على أوكرانيا بأي حال من الأحوال. 

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من إخفاق الجولات السابقة من الحوار، فإن هذا لا يعني أن باب المفاوضات قد أغلق، إذ لاتزال كل الأطراف تراهن على الخيار الدبلوماسي، خاصة أن هناك إدراكًا جيدًا من جانب حلف الأطلسي أن عضوية أوكرانيا في الحلف مستحيلة، إذ إن العديد من الدول الأعضاء في الحلف ليست على استعداد لتصعيد التوتر مع روسيا من أجل أوكرانيا، خاصة أنهم يرتبطون بالعديد من المصالح الاستراتيجية مع موسكو، ليس أقلها ضمان استمرار إمدادات الطاقة الروسية. 

 

*نقلًا عن مركز المستقبل للدراسات المتقدمة