دراسة: للكمامات تأثيرًا في قدرة الأطفال على التعرّف على الوجوه وإدراك العواطف
تضاعفت خلال الأسابيع الفائتة الدعوات في الولايات المتحدة لوقف فرض وضع الكمامات في المدارس، ومن بينها دعوات أطلقتها جهات صحية.
وأظهرت دراسات علمية أنّ للكمامات تأثيرًا في قدرة الأطفال على التعرّف على الوجوه وإدراك العواطف. وكما يحصل مع البالغين، يمكن أن تعوق الكمامات عملية التواصل اللفظي، لكنّ الخبراء يختلفون في شأن الآثار طويلة الأمد للكمامات على عملية نمو الأطفال.
اللغة
ويتعلق الهاجس الأول بعملية تعلّم اللغة التي تتم في سنوات الطفل الأولى، إذ يتعلّم الأطفال التكلّم من خلال التفاعلات الاجتماعية، وينظرون تحديدًا إلى أفواه البالغين لتحليل المقاطع الصوتية المختلفة.
لكنّ هذه الطريقة ليست مُتاحة حاليًا، ما يطرح فرضية الضرر الذي تتعرّض له عملية تعلّم اللغة نتيجة الكمامات.
وتقول ديان بول من الجمعية الأميركية للمتخصصين في معالجة النطق لوكالة فرانس برس "صحيح أنّ عملية تعلّم الكلام تستلزم النظر إلى الوجوه، لكنّ الأمر لا يقتصر على ذلك فقط".
وتساعد الأصوات والحركات والعيون الأطفال لتعلّم الكلام. وتشير بول إلى أنّ الأطفال الذين يعانون إعاقة بصرية يتعلّمون التكلّم بشكل جيّد، لافتةً إلى أنّ الكمامات لا توضع بشكل دائم، إذ تُزال داخل المنزل مثلًا.
وتؤكّد الاختصاصية عدم وجود دراسة حاليًا تثبت التأثير الطويل الأمد للتفاعلات بين الأطفال الصغار والبالغين الذين يضعون كمامات على تطور عملية النطق"، مضيفةً أنّ ثمة "دراسات تظهر أنّ الأطفال يمكنهم الاعتماد على إشارات التواصل الأخرى".
وأظهرت دراسة أجريت العام 2021 أنّ الأطفال تمكّنوا من التعرف على كلمات بوجود كمامة أو من دونها. لكنّ دراسة أخرى أجريت في فرنسا تشير إلى أنّ الكمامات يمكن أن تتعارض مع عملية تعلم القراءة لدى الأطفال الذين يعانون صعوبات تعلّمية.
ولا تزال الدراسات البحثية التي تتناول هذا الموضوع قليلة. وترى بول أن لا ضرورة لإثارة هلع.
وذكرت مراكز السيطرة على الأمراض وهي أهم هيئة صحية فيدرالية أميركيةأنّ "المعطيات المحدودة المتوافرة لا تقدم دليلًا واضحًا على أنّ الكمامات تضرّ بالتطورين العاطفي واللغوي لدى الأطفال". وتوصي بوضع الكمامة من عمر السنتين، في حين أنّ منظمة الصحة العالمية توصي بوضعها بدءًا من عمر خمس سنوات.
وتختلف مقاربة الموضوع لدى الأطباء النفسيين، إذ يعتبر الاختصاصي في علم الأعصاب الإدراكي في جامعة أولم الألمانية مانفريد سبيتزر أنّ "الجانب العاطفي مهمّ أكثر"، مشيرًا إلى أنّ رؤية الابتسامة هي أوّل أمر يُفتقد عند وضع الكمامة.
ويقول لوكالة فرانس برس "في الإطار التربوي، هنالك تبادلات ضمنية كثيرة بين المعلمين والأطفال"، مضيفًا "إذا تم تغيير هذا التواصل فستفشل عملية التعليم".
وتتعلق المخاوف كذلك بالقدرة على إنشاء روابط اجتماعية. وأظهر عدد كبير من الدراسات أنّ الكمامات تزيد من صعوبة التعرف إلى الوجوه وإدراك العواطف لدى الجميع بمن فيهم الأصغر سنًّا إذ يمكن أن تكون العملية لدى هؤلاء أصعب.
وتختلف الاستنتاجات حول النتائج المترتبة عن هذا الأمر.
وأكدت دراسة أجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و13 عامًا نُشرت في مجلة PLOS One أنّ العواطف (الخوف والحزن والغضب) حُددت بشكل أقل عند وضع كمامة، وأتت النتائج مماثلة عند وضع نظارات شمسية. واعتبرت الدراسة أنّ ثمة احتمالًا ضئيلًا بأن تتأثر التفاعلات الاجتماعية لدى الأطفال بشكل كبير.
وأظهرت أبحاث أخرى نُشرت في مجلة Frontiers in Psychology أنّ الأداء في تحديد المشاعر ينخفض بشكل كبير لدى الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ثلاث وخمس سنوات. ويقول معدّو الدراسة إنّ النتائج تشير إلى أنّ الكمامة "يمكن" أن تؤثر على "التطور الاجتماعي والمنطق العاطفي".
وتقول الطبيبة النفسية في جامعة جونز هوبكنز كارول فيدال "أعتقد أنّ علينا كمجتمع أن نشعر بالقلق، لكن لا أن يقلق الأهل من هذا الموضوع طول الوقت".
وهوبكنز التي تعمل في مدارس أمريكية، هي واحدة من مجموعة علماء يطالبون بوقف فرض الكمامات في المدارس.
وتقول لوكالة فرانس برس إنّ الكمامات "لم تعد ضرورية في هذه المرحلة من الوباء"، نظرًا إلى تراجع المخاطر التي يتعرّض لها الأطفال في مواجهة كوفيد-19، وإتاحة اللقاحات بدءًا من سنّ الخامسة.
وترى أن المسألة تتعلق بالتوازن بين المنافع والمخاطر، مضيفةً أنّ المخاطر الناجمة عن وضع الكمامة "قد لا تكون كبيرة من حيث التأثيرات الفورية"، وتقول "لكن أعتقد أنّ علينا أن نكون حذرين".