العيسى لـ "متن نيوز": قرارات بوتين في أزمة أوكرانيا "مباغتة" وأربكت قادة الدول الكبرى
قال عمر عبدالوهاب محمد العيسى الكاتب والناقد الدولي والمحلل السياسي السعودي، إنه من المعلوم أن النزاعات بين روسيا وأوكرانيا سبقتها حقب ترجع إلى العصور الوسطى وكلا البلدين لديهما جذور في الدولة السلافية التي تسمى "كييف روس" ودائماً ما يصرح الرئيس الروسي بوتين عن أنهما شعب واحد بناءًا على تاريخهما، وتطورت روسيا سياسياً إلى إمبراطورية ولم تنجح أوكرانيا في بناء دولتها حسب موقع دوتشه فيلا، في القرن السابع عشر، وأصبحت مساحة كبيرة من أوكرانيا الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية لكن وبعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917م استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة قبل أن تقدم روسيا السوفيتية على احتلالها مجدداً.
وأضاف "العيسى" في تصريحات خاصة لـ "متن نيوز"، أن أوكرانيا وبيلاروسيا كانا من بين الجمهوريات التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفييتي وأرادت موسكو الاحتفاظ بنفوذها من خلال تأسيس رابطة الدول المستقلة "جي يو إس"، ولمعرفة المزيد حول مسببات الحرب نشير إلى ما ذكرته عدة مصادر من أن الكرملين ظن وقتها أن بإمكانه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص لكن ذلك لم يحدث فبينما تحالفت روسيا مع بيلاروسيا كانت أوكرانيا تميل دائماً نحو الغرب وأغضبت أوكرانيا الكرملين بهذا الميل رغم أن الغرب لم يسعى لدمج أوكرانيا، كما أن الاقتصاد الروسي يواجه صعوبات حينها والبلاد مشغولة بحرب الشيشان.
وأوضح المحلل السياسي السعودي، أنه في عام 1997م اعترفت موسكو رسمياً بحدود أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية وعندما انهار الاتحاد السوفييتي كانت أوكرانيا الجمهورية السوفيتية السابقة تمتلك ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم وعملت أمريكا وروسيا على نزع الأسلحة النووية الأوكرانية وتخلّت كييف عن مئات الرؤوس النووية مقابل ضمانات أمنية لحمايتها من هجوم روسي محتمل.
وشدد "العيسى"، أنه عندما ضمت روسيا القرم في 2014م كانت هذه بداية لحرب غير معلنة وقامت قوات روسية بحشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرق أوكرانيا وأعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس أمام حكومة كييف بأن: "اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال دونيتسك ولوهانسك في شرقي أوكرانيا أعاد إحياء اتهامات غربية له بأنه يسعى إلى "استعادة الاتحاد السوفييتي" لا سيما أنه قال إن "انهيار الاتحاد السوفييتي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين". ويرى البعض بأن هذه الحرب كان لابد منها بالنسبه لروسيا لا أوكرانيا لكون الأخيرة خرجت عن المسار وأرادت جلب قوات النيتو إلى حدود روسيا.
وشدد المحلل السياسي السعودي، على أنه معروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خاض معترك السياسة قرابة ثلاثة عقود ويعمل بعقلية استخباراتية ويحسب له ألف حساب لدهاءه وطريقة تفكيره وقراراته التي تعكس توقعات دول وحكومات فضلاً عن محللين سياسيين أو خصومه ولن يقدم على خطوة جريئة كغزو أوكرانيا إلا وقد أعد العدة وقرأ المشهد وتهيء لنتائجه عليه وعلى بلاده سلبية كانت أو ايجابية ومن المرجح اعتباره أن أوكرانيا تتجسس وتتآمر على بلده وأصبحت تهدد أمنه الداخلي والقومي الروسي لصالح أعداءه والغرب وحلف الناتو ما يعرض بلاده للخطر ومثل هذه الأفعال تؤخذ بأنها جريمة لدى أي موظف إستخبارات وتعتبر إعلان حرب عند القيصر الروسي الذي درس القانون وبدأ خدمته ضابطاً في جهاز مخابرات ألمانيا الشرقية لصالح بلاده ثم ضابطاً بجهاز KGB الاستخبارات السوفيتية ورأس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وعمل بمناصب سياسية عليا كرئاسة الوزارء ويعمل حالياً رئيساً لروسيا للمرة الرابعة في تاريخه وحتماً سيقوم بأي عمل يمنع ما يقوض أمن بلاده ويضر بمصالحها مهما كلفه الأمر حتى لو تجاوز الخطوط الحمراء وعمل ما يصنف بأنه جرائم حرب.
ونوه "العيسي" إلى أنه ومن الصعب توقع ما سيحدث مستقبلاً سيما أن المعطيات والأحداث الدائرة الآن على الأرض تبين أن هذا الرجل لا يكترث بأحد وأن خوض الحرب لديه مجرد عامل وقت وردود فعله مباغتة وغير متوقعة وأربكت قادة الدول الكبرى وأحرجت الكثير من المحللين السياسيين لعدم تمكنهم من قراءة واستنتاج المشهد الحقيقي الذي يكون الرئيس بوتين طرفاً فيه حتى رأى البعض أن مسمى القوة العظمى الأولى في العالم انتقل من أمريكا ورئيسها بايدن وأصبح بيد روسيا ورئيسها بوتين حتى أخرجت الرئيس الأمريكي السابق ترامب من قمقمه وجعلته يتصدر المشهد الإعلامي في اليوم الأول من غزو روسيا لأوكرانيا بتصريحات هجومية على بايدن وندية للرئيس بوتين ونتذكر طريقة تعامل فلاديمير بوتين الغريبة والاستعلائية والخارجة عن الأعراف الدبلوماسية مع بعض الرؤساء كما جرى مؤخراً مع رئيس فرنسا ماكرون وجلوسه معه منفردين وبينهما طاولة اجتماعات كبيرة وتبعدهما مسافة بعيدة في صور غير مألوفة أثارت سخرية من الرئيس الفرنسي حتى كشف مصدران من المرافقين للرئيس ماكرون لرويترز أن ماكرون رفض طلب الكرملين إجراء اختبار كوفيد-19 له في روسيا، لمنع الروس من وضع أيديهم على الحمض النووي لرئيس فرنسا وترتب على ذلك الرفض تحديد مسافة طويلة بين الرئيس الزائر والزعيم الروسي خلال محادثات مطولة في موسكو حول الأزمة الأوكرانية.
وشدد المحلل السياسي السعودي، على أن كل تلك الأمور قد تكون ذات دلالات من بوتين منها أن مفاوضاتهم معه أبعد عن ما يريده ويلبي طموحه كاستعادة الإتحاد السوفيتي أو قيام نظام عالمي جديد تتزعمه روسيا يعززه مشاهدة دبابات روسية تقتحم أوكرانيا وهي رافعة علم الإتحاد السوفيتي وليس العلم الروسي.
وتابع:"ويبدو أنها رسالة قوية وتحدي علني من الرئيس بوتين لأمريكا والغرب ألحقها بإفشال تمرير مشروع قرار يدين الغزو الروسى لأوكرانيا التي يظهر أن بوتين قرر ضمها لأراضيه حيث أسقط الفيتو الروسي مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن، وبدا التقهقر على مواقف دول عظمى تباعاً أمام بلدوزر الدب الروسي حيث قالت السفيرة كارين بيرس، المندوبة البريطانية في الأمم المتحدة خلال كلمتها بجلسة مجلس الأمن: من التالي بعد أوكرانيا!؟ بينما امتنعت الصين صاحبة العضوية الدائمة والتي تملك حق الفيتو عن التصويت! ويذكر بأن أحد الجنرالات في البنتاجون سبق وأن قال للرئيس الأمريكي قبل أعوام بأن توسع الناتو شرقاً سيجعل الأباء المؤسسين للبلد الروسي يتحركون من قبورهم فلا توقظوهم، ومن المعلوم أن ولادة النظام العالمي الجديد لا تتأتّى عادة إلا بعد قيام حرب بأي طريقة عسكرية أو سياسية أو إقتصادية أو بيولوجية لتزيح النظام القديم.