تشابك إستراتيجي: موقف اليمن الرسمي من أزمة أوكرانيا وشرق أوروبا
الموقف اليمني الرسمي (سلطة الشرعية) من الأزمة الحادة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا مرتبط كلية تقريبا بالموقف السعودي والتحالف العربي الذي يقود حربًا لإستعادة "الشرعية اليمنية" منذ 2015م. وبالنظر إلى أن اليمن يعيش مرحلة إنهيار الدولة، حيث يسيطر الحوثيون على الشمال فيما لم يلمس الجنوبيون الذين حرروا أرضهم من الحوثيين بدعم من التحالف العربي، لم يلمسون أي دورإيجابي لسلطة الرئيس هادي المقيمة في الرياض منذ بداية الحرب على أوضاعهم المعيشية والخدمية بل على العكس تمامًا.
ويعتبر المجلس الإنتقالي الجنوبي هو القوة الأكثر حضورًا شعبيًا وعسكريًا في الداخل وسياسيًا ودبلوماسيًا في الخارج.
ما يتصل بموقف روسيا من الحرب في اليمن:
من المهم الإشارة هنا إلى إن عودة روسيا إلى غرب آسيا بعد بداية تدخلها في سورية منذ أكثر من نصف عقد من الزمن قد زاد من إهتمام القوة الأوروبية الآسيوية بالمنطقة، بما في ذلك الحرب اليمنية، بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، تتمتع موسكو بنفوذ مهم عندما يتعلق الأمر بجهود الهيئة الأممية لحل النزاع سلميًا.
موقفها من الحرب متوازن وواقعي، مع عدم اتخاذ الكرملين علانية موقفًا لصالح أي من الحوثيين أو الشرعية، حتى أنّ روسيا تنتقد كلاهما في بعض الأحيان، وتحتفظ موسكو بإتصالات مع كل المجلس الإنتقالي الجنوبي وحركة أنصار الله الحوثيين بدرجات متفاوتة.
بشكل عام، من المتوقع أن تحاول روسيا إشراك نفسها في هذه العمليات السياسية المحتملة من خلال عرض إستخدام خدماتها الدبلوماسية لتحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، ليس للكرملين أي تأثير فعلي على الأطراف المتحاربة، مما يعني أنّ جهوده ستظل على الأرجح رمزية بشكل حصري تقريبًا على عكس الولايات المتحدة. ومع ذلك، قد يكون من الجيد لكل الأطراف النظر في أي عروض ذات صلة لأنّ روسيا لاعب محايد حقًا يثبت موقفه المتوازن.
الموقف اليمني الرسمي مع روسيا ومع أوكرانيا:
منذ تطور الأزمة وتحولها إلى حرب، بدى الموقف الرسمي لليمن وكأنه يقول نحن مع روسيا ومع أوكرانيا في نفس الوقت، حيث أشاد وكيل وزارة الخارجية اليمني للشئون السياسية، منصور بجاش، بـ "العلاقات التاريخية بين اليمن وروسيا الاتحادية".
وحسب ما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" الحكومية، أكد بجاش، خلال لقائه، في العاصمة السعودية الرياض، القائم بأعمال سفارة روسيا لدى اليمن، يفغيني كودروف، "أهمية العمل والتنسيق على تعزيز هذه العلاقات في كافة المجالات الثنائية وعلى صعيد المحافل الدولية والأمم المتحدة".
ووفقًا لوكالة "سبأ"، ناقش اللقاء "آخر التطورات في الشأن اليمني، والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها".(1)
حول الأزمة الروسية الأوكرانية قالت السفيرة اليمنية غير المقيمة لدى كييف د. ميرفت مجلي في وقت سابق "أن موقف اليمن ثابت وداعم للسيادة الأوكرانية على كامل ترابها وفقا لقرارات الشرعية الدولية"(2)
في 2 مارس 2022م صوتت اليمن مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بـ "إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".
بالنسبة لجنوب اليمن: أجرى الرئيس عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية في 24 فبراير 2022م اتصالًا مرئيًا مع القائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن سعادة د. يفغيني كودروف. "بحث اللقاء مستجدات الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية في بلادنا والمنطقة، ومسار العملية السياسية التي يقودها سعادة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وأهمية دعم جهود إحلال السلام وإيقاف الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة تعكس واقع الأطراف على الأرض والقضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب".
و "استعرض اللقاء العلاقات التاريخية بين الجنوب وروسيا الاتحادية، وسُبل تطويرها وتعزيزها، وقد أكد الجانبين على ضرورة تكاتف كافة الجهود الدولية تجاه حل سياسي شامل وعادل، وحل الأزمة الاقتصادية ورفع معاناة المواطنين في الجنوب واليمن" (3).
من المؤكد إن مالم ينشرعن هذه اللقاءات هو ما يتعلق بالأزمة والحرب في شرق أوروبا سواء كان على صعيد موقف الحكومة اليمنية أو موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان يتابع بقلق بالغ وبحرص شديد مسار هذه الأزمة وتداعياتها على المنطقة وعلى الجنوب خاصة واليمن عامة.
أما الحوثيون فقد سارع أحد أبرز قادتهم وهو محمد علي الحوثي في تغريدة له على تويتر بتأييد موقف موسكو من لوغانسك ودونيتسك في محاولة لتسجيل إثبات حضو لاستمالة الموقف الروسي لصالح الحوثيين.
من المؤكد أن الحوثيين قد ندموا على موقفهم ذلك بعد تصويت روسيا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2624 (2022) تحت البند السابع، "الذي يقضي بتجديد نظام العقوبات على اليمن، ويصف جماعة الحوثيين -المعروفة بجماعة أنصار الله- ب "جماعة إرهابية". كما يدرج القرار الحوثيين ككيان على قائمة عقوبات اليمن في ظل حظر السلاح، بالإضافة إلى إدانة هجمات جماعة الحوثيين عبر الحدود على المدنيين والبنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومطالبة الجماعة بالوقف الفوري للأعمال العدائية"(4).
التداعيات الاقتصادية:
في دراسة صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي ( قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية ) 2018، تبين أن اليمن يقوم باستيراد أكثر من 95% من محتاجاته من القمح من الخارج لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، وذلك لسد الفجوة الغذائية في القمح المقدرة بأكثر من 3 مليون طن متري سنويًا، وقد أنخفض نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى أقل من 5%.(5)
نصف احتياجات اليمن تقريبا تأتي من كل من روسيا وأوكرانيا(6)
ويأتي اليمن بعد السودان، ويحصل على نسبة 31% من احتياجاته من القمح من روسيا، في حين يحصل على نسبة 6.8% من أوكرانيا،(7)
يعتمد اليمن بشكل كامل تقريبا على الواردات لتلبية احتياجات السوق المحلية من السلع الغذائية الأساسية. ويؤمن القطاع الخاص هذه الواردات بالكامل تقريبا، حيث أبدى قدرة هائلة على الصمود والنجاح في الاستمرار في مد البلاد بهذه السلع. ومع هذا، فإن آليات السوق هذه، رغم ما أبدته من مقدرة حتى الآن، يمكن أن تفشل نتيجة ارتفاع التكلفة والمخاطر.
ووفقا لتقرير البنك الدولي(8)، فإن أكبر تحد للأمن الغذائي في اليمن يكمن في ضعف الطلب. وقد حدد مستوردو السلع الغذائية وتجار التجزئة والجملة انخفاض القوة الشرائية باعتباره تحديا رئيسيا لأعمالهم. وفقد أغلب السكان مصادر دخلهم، مما تسبب في أوضاع باتت قاب قوسين أو أدنى من المجاعة. وتغيرت الآليات التي يمكن أن تساعد جانبا كبيرا من السكان على التكيف نتيجة انخفاض القدرة الشرائية. واليوم، تتزايد أعداد المواطنين الذين يلجؤون إلى مستويات متزايدة من الاقتراض من أجل الاستهلاك الغذائي فضلا عن الاعتماد على دعم الدخل من المساعدات الإنسانية والتحويلات النقدية.
ويستورد اليمن معظم كميات القمح من روسيا وأستراليا وأوكرانيا وأميركا بنسبة تصل إلى 78 في المئة، إضافة إلى الكميات التي تدخل إلى البلاد عبر المنظمات الدولية في إطار المساعدات الإغاثية بسبب الحرب الدائرة في البلاد. (9).
حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الخميس، من أن اليمن الذي "مزقته الصراعات يتجه نحو كارثة" بسبب نضوب التمويل الإنساني.
الخلاصة والتوصيات:
1- وأن كان الموقف اليمني الرسمي الشرعي قد بدى حتى الآن متخبطا ومتناقضا في التعاطي مع الأزمة والحرب في شرق أوروبا...إلإ إنه من المتوقع أن لا يخرج عن إيقاع الموقف السعودي.
2- ينبغي أن يتابع المجلس الانتقالي الجنوبي تطورات الأزمة والحرب وان تكون مواقفه حذرة ومدروسة وبما يخدم مصلحة شعب الجنوب على المدى القريب والبعيد.
3- التحدي الأ كبر يكمن في الأمن الغذائي اليمني جنوبا وشمالا خاصة ما يتصل بالقمح المستورد بنسبة 95%
4- التحدي الآخر يكمن في كيفية مواجهة الضغوطات القوية من الطرفين المتصارعين والمتحاربين، خصوصا حين يضعك أمام خيارين أحلاهما مر "أما أن تكون معي وإلا فأنت ضدي".
المصادر:
1- موقع البلد المصري 17 فبراير2022
2- أوكرانيا بالعربية 30/12/2020م
3- صوت المقاومة الجنوبية 24 فبراير 2022م
4- موقع "أخبار الأمم المتحدة" 28 فبراير 2022م
5- وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية 2018
6- فرنسا 24 بتاريخ 26 فبراير 2022م
7- بي بي سي 27 فبراير 2022م
8- البنك الدولي 29 مايو 2018
9- الاندبنينت 26 فبراير 2022