تموضع خليجي إسراتيجي.. ما المتغير في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؟
الاتفاق التاريخي الموقع عام 1974 بين الولايات المتحدة والسعودية كان جوهره ضمان النفط السعودي، مقابل ضمانات أمنية من واشنطن. إلا أن ما طرأ على الساحة الدولية والإقليمية يشير لتخطي تلك المرحلة من العلاقات الوطيدة، ليبدأ فصل من توتر العلاقات الذي يرجع بدرجة كبيرة لتخلي الإدارة الأمريكية بشكل متزايد عن ضمان المصالح السعودية. حيث أوقف البيت الأبيض صفقة مقررة لبيع الأسلحة للرياض، وشطب الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية ورفع التأييد الأمريكي عن عمليات التحالف العربي علي ساحة اليمن [1]، بنية أمريكية دون إعلان لتحويل الاهتمام الأمريكي عن إقليم الشرق الأوسط، وتحويل الاهتمام الأمريكي تجاه أسيا وامتداد بحر الصين الجنوبي حيث الهيمنة الصينية.
كل ذلك وغيره كالموقف الأمريكي الأخير باعتبار الهجمات الحوثية على الأهداف المدنية في المملكة "غير مقبول"، بلور موقف السعودية باتخاذ قرار منذ أكتوبر للعام (2021)، بعدم زيادة إنتاج النفط بالرغم من ارتفاع الطلب العالمي حينها خاصة الأوروبي والأمريكي، وإصرارها على ذلك القرار رغم المُستجدات التي تتعلق بالإنتاج النفطي دوليًا، لتأتي أزمة أوكرانيا وتبعاتها المُتسارعة كمُغير لكُل مُعادلات التعاون الدولي وصيغ التحالفات بين الدول على الساحة الدولية. وأهم تلك المُعادلات التي يشُوبها كثير من المحاور المُختلة حاليًا وعلى مستوي المستقبل القريب هي العلاقات الأمريكية السعودية.
إدراك سعودي وسياسة سعودية للتعامل مع المتغيرات:
تميزت السياسات السعودية في عهد الأمير "محمد بن سلمان" بسرعة التموضع بما يتماشى مع مُعطيات الواقع ويُعزز السيادة السعودية. فمنذ العام (2014) اتبعت المملكة خطة لتوطيد نفوذها الاستراتيجي على امتداد مداها الإقليمي بتدعيم نفوذها في السودان وإريتريا.
كما أسست الرياض مع أبو ظبي في العام (2015) لمواقع عسكرية في جيبوتي وأريتريا بالإضافة للقواعد العسكرية في القرن الأفريقي وصولًا لتمركز قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في جزيرة "بريم /ميون" عند مدخل البحر الأحمر، لتتمكن دول الخليج بقيادة السعودية من صياغة سياسات خارجية أكثر استقلالية وحزمًا بشكل ملحوظ مما كانت عليه في الماضي، وطورت استراتيجيات لها ملامح تجارية وأمنية متكاملة للمنطقة، مُصمَمَة لضمان دور قيادي [2ٍ]، كما قررت تنظيم قواها العسكرية تحت إطار كيان سّمي بـ “القيادة العسكرية الموحدة" مُتخذًا من الرياض موقعًا للقيادة الرئيسية.
وقد كشفت المُخابرات الأمريكية عن تطوير المملكة لقاعدة صواريخ" الوطا" التي تشمل منشآت إنتاج واختبار محركات الصواريخ الباليستية - بمساعدة الصين، التي ساعدت السعودية أيضًا بالعام (2020) في بناء مصنعها الخاص لتخصيب اليورانيوم بالقرب من العلا بموافقة ضمنية من إدارة ترامب. [3]
الدبلوماسية السعودية..عين على اليمن وأخرى على ايران:
من خلال رؤية شمولية لمُختلف الأحداث المُتسارعة نجد خطوة خليجية لافتة بقيادة السعودية ووساطة عمانية، حيث وجه مجلس التعاون الخليجي دعوة جماعة الحوثي وأطراف يمنية أخرى، لعقد مُفاوضات في الرياض خلال شهر مارس الحالي في إطار مبادرة لدعم جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ذلك بالتزامن مع انطلاق مشاورات واسعة غير مشروطة في العاصمة الأردنية عمّان للمبعوث الأممي إلى اليمن "هانز غروندبرغ"، حيث التقى بممثلين عن الأحزاب اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي [4]. تعد تلك الخطوة بلورة لبداية جديدة لتعاطي السعودية ودول الخليج العربي مع الأزمة اليمنية، وكأنها بدافع إدراك أنه لا مفر أن تعالج دول الخليج مُشكلاتها خليجيًا-خليجيًا دون إشراف أمريكي أو غربي.
ذلك التفهم يتسق مع تحرر السعودية كما أوضحنا من المظلة الأمريكية، وفي نفس الإطار لا تنفصل عن ذلك وذاك زيارة الرئيس السوري "بشار الأسد" للإمارات التي هي بمثابة الجناح الدبلوماسي للسعودية والخليج في نفس التوقيت من الترتيبات الخليجية لأوراق الإقليم، فتُعد الإمارات تحديدًا هي الأنسب لاستقبال بشار نظرًا لأنه في الأصل لم تنقطع الزيارات والاتصالات بين الجانبين وإن كانت سرية، بالإضافة للعلاقات الشخصية القوية بين قادة الدولتين [5]. ذلك الأمر يؤكد لنا الاستراتيجية الجديدة للخليج بقيادة السعودية في عزمه على إدارة ملفات المنطقة وتشكيل النفوذ ومعادلات المصالح بعيدًا عن الولايات المُتحدة الامريكية. ولا نغفل ما أعربت عنه وزارة الخارجية الأمريكية من شعورها بـ "خيبة أمل وانزعاج عميقين" من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات [6]، وفي أذهاننا مقولة كيسنجر، لا يمكن للعرب أن يقاتلوا دون مصر، ولا يستطيعوا عقد سلام دون سوريا.
ذلك المشهد يصور لنا بداية جديدة للنفوذ الخليجي إقليميًا، ليأتي اللقاء الثلاثي بين الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" برئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" بشرم الشيخ في خضم الأحداث المُتسارعة، فإن توقيت القمة يهدف إلى تقديم جبهة موحدة ضد خطوات الغرب لتأمين اتفاق نووي مع إيران، والتعبير عن عدم الرضا بشأن قرار الولايات المتحدة إسقاط الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، مع توقع أن تكون إسرائيل ساعية لدور الوساطة لإقناع الإمارات والسعودية بضخ مزيد من النفط. [7]
قدمت الولايات المُتحدة الأمريكية لإيران تنازلات ضخمة من أهمها تقديم ضمانات أمريكية مكتوبة للجانب الروسي الإيراني بأن لا تؤثر العقوبات التي تحددها أمريكا على كلا من الدولتين على علاقاتهم وتعاملاتهم الثنائية [8] يبدو أن الولايات المُتحدة ستخضع للطلب الإيراني وتُجري على الحرس الثوري ما أجرته منذ بداية حكم إدارة بايدن على الحوثيين بأن تجعل التصنيف الإرهابي والعقوبات على بعض القادة وليس الكيان ذاته.
ذلك التوضيح يُبين لنا سر مواصلة الأذرع الإيرانية "الحوثيون" في قصف المدن السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة [9]، يرى مُراقبون أن الهجمات الحوثية المدعومة إيرانيًا على النقاط النفطية السعودية، كانت بإيعاز أمريكي ردًا على قرار السعودية بعدم زيادة الإنتاج النفطي، خاصة وأن الحوثيين يستهدفون مواقع سعودية على أيام مُتتالية وليس يوم واحد كما كان مُسبقًا، وذلك الأمر في حد ذاته يكشف عن دعم نوعي بالطائرات المُسيرة والأسلحة، إذ يشي أنّ به لمحة لتدخل أمريكي يفوق درجة التمويل الإيراني.
والأمر اللافت في ذلك الصدد، هو تصريحات مسؤولين أمريكيين كبار إن إدارة بايدن أرسلت عددًا كبيرًا من صواريخ باتريوت الاعتراضية المضادة للصواريخ إلى السعودية خلال شهر فبراير (2022)، كما عبر مسؤولون، من بين أمور أخرى، أن الولايات المتحدة تأمل في أن تضخ السعودية مزيدا من النفط للتخفيف من ارتفاع أسعار الخام. لكن توفير صواريخ باتريوت الاعتراضية لم يحل جميع التوترات في العلاقة.
الخلاصة:
يتضح لنا مدى التشابُك بين الأطراف الإقليمية والدولية، وأننا بصدد بداية مرحلة مُختلفة في التاريخ الجيوسياسي للمنطقة، حيث أن إحياء وتدعيم العلاقات مع سوريا بالنسبة للسعودية والخليج بذات الأهمية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني بالنسبة لإدارة "جو بايدن" الذي تراقبه السعودية بتحسب واهتمام حثيث، لتتأكد من مدى جدية إيران في نواياها تجاه دول الخليج، ولذلك عُلقت جولات التفاوض السعودي الإيراني عدة مرات.
فسوريا ورئيسها بشار الأسد المدعوم روسيًا وإيرانيًا هي الورقة الرابحة في الوساطة الدبلوماسية بين إيران ودول الخليج، بالإضافة لترتيبات المصالح السعودية والإيرانية مع روسيا والصين. علمًا بأن السعودية ستحتفظ بترقبها وشكها بالجانب الإيراني ما دام طهران مُحتفظة بتدعيم أذرعها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كما أن المؤشرات الحالية تقول بأن روسيا والصين بالنسبة للسعودية كحلفاء مُشرفين على نطاق الحركة الإيرانية، سيكونون أكثر استقرارًا وضمانًا من الولايات المُتحدة الأمريكية.
المصادر:
[1] How Biden Lost Saudi Arabia، March 18، 2022 www.wsj.com
[2] نانسي طلال زيدان، خليج عدن وباب المندب: حرب النفوذ وإعادة صياغة مسارات الأمن الإقليمي، 16 أكتوبر2021، سوث24
[3] نانسي طلال زيدان النووي الإيراني بين مُحاولات التحجيم الدولية واستراتيجيات المواجهة الإقليمية،6يناير 2022، سوث24
[4] التعاون الخليجي يُخطط لمحادثات بين التحالف والحوثيين (تفاصيل)، 15-03-2022، سوث24
[5] قناة الغد، 19 مارس 2022
[6] أمريكا تعلق على زيارة بشار الأسد إلى الإمارات،19 مارس 2022،( CNN )
[7] Israel's Bennett، UAE Crown Prince and Egypt's Sissi Hold Summit to Boost Ties، Mar. 22 2022 www.haaretz.com
[8] Russia says it has written guarantees on Iran nuclear deal،16 march2022 www.thenationalnews.com
[9] ميليشيا الحوثي تواصل استهداف إمدادات الطاقة بصواريخ إيران، Mar 20، 2022، قناة العربية