استثمار الإرهاب.. الجنوب اليمني حارب التطرف الذي جاءت به الوحدة مع الشمال
كلمة الإرهاب بحد ذاتها هي كلمة مثيرة للجدل إذ أن للكلمة معاني عديدة يعتمد على الانتماء الثقافي والديني للشخص. مفهوم الكلمة الحالي والذي يستحدمه الباحثون "أي عمل يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين والآمنين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للخصم عن طريق إرهاب المدنيين وقتل الناس بشتّى الوسائل". [1]
عرفَ اليمن تواجد تنظيم القاعدة في مستهلِّ تسعينيات القرن المنصرم، بعد إعلان التنظيم العالمي عن إقامة فرعه في شبه الجزيرة العربية، وأطلق على فرعه هذا اسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية، في الثاني والعشرين من مايو 1990. لكنَّ التواجدَ الحقيقي للتنظيم ظهرَ بصورةٍ واضحة بعد حرب 1994، بين شركاء الوحدة اليمنية، وهي الحرب التي استعمل فيها الطرف الثاني (شمال اليمن) مقاتلين جهاديين عائدين من أفغانستان (الأفغان العرب)، وهؤلاء كانوا النواة الأولى للتنظيم الذي انتشر في وسط وشرق اليمن.[2]
بدأ استثمار الإرهاب في اليمن في عام 1994، وهو العام الذي جنّدت فيه قوى الوحدة اليمنية مئات المقاتلين الجهاديين العائدين من أفغانستان، في الحرب على الجنوب، عبر شخصيات دينية يمنية تابعة للتجمع اليمني للإصلاح -وكيل الإخوان المسلمين في اليمن، مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني - يقيم في الرياض، والشيخ عبد الوهاب الديلمي، صاحب الفتوى الدينية المشهورة في عام 1994، التي أفتى بها بإباحة دماء الجنوبيين ممن أسماهم "الملاحدة الشيوعيين".[3]
وبعد انطلاق حركة الإحتجاجات الجنوبية ضد نظام صنعاء، ظل ذلك النظام، الذي كان الإخوان أهم أعمدته، يهدد بأن البديل لنظامه ولوحدة 7/7 سيكون الإرهاب.
ومن أجل ذلك تبنى نظام صنعاء عمليات أيواء ودعم تنظيم القاعدة في معسكرات الجيش في الجنوب.
تصدى الجنوبيون بكل إمكانياتهم لهذا الإرهاب السلطوي الممنهج. وتولى القادة الجنوبيون مهمة قيادة وحدات مكافحة الإرهاب بدءا من اللواء سالم علي قطن [استشهد بتقجير ارهابي]، مرورا باللواء محمود الصبحي [أسير لدى الحوثيين]، اللواء عيدروس الزبيدي، اللواء أحمد سيف اليافعي [استشهد بصاروخ حوثي]، اللواء شلال علي شايع واللواء فرج سالمين البحسني والعميد أبي اليمامة [استشهد بصاروخ حوثي] والعميد عبد اللطيف السيد..إلخ. وتعرض الباقون للعديد من محاولات الاغتيال.
دور إمارتي مميز في الحرب على الإرهاب:
جهود مكافحة التنظيم الإرهابي شهدت دفعة قوية، بعد دخول قوات التحالف العربي إلى اليمن لقتال المتمردين والمحتلين الحوثيين، حيث وضعت هذه القوات من ضمن أولوياتها استهداف التنظيمات الإرهابية الأخرى وعلى رأسها تنظيم القاعدة. وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة دورها الأبرز والأهم في هذه المواجهة، حيث أشرفت على تدريب العديد من القوات اليمنية الجنوبية، التي تمكنت من صد هجمات تنظيم القاعدة على مدينة عَدَن بعد تحريرها وطرد العناصر المتطرفة منها.كما تمكنت هذه القوات، بدعم الإمارات ومساندتها، من تأمين العديد من المدن والمحافظات وتحريرها من قبضة التنظيم وخطره، مثل لَحْجِ، وأبْيَن، وشبوة، وساحل حضرموت، الذي ظل خاضعًا لسيطرة إرهابي القاعدة لأكثر من عام[4].
ونجحت هذه القوات عام 2016، بدعم ومشاركة إماراتية فاعلة، من تحرير مدينة المُكَلَّا الاستراتيجية، وساحل حضرموت بالكامل، من قبضة تنظيم القاعدة، واستمرت هذه الجهود في مطاردة عناصر القاعدة بعد ذلك حتى تحرير معظم الأراضي التي سيطر عليها التنظيم.
ولاقت هذه الجهود الإماراتية ترحيبًا كبيرًا من أبناء اليمن، ولا سيما الجنوبيين الذين اعتبروها فرصة لتخليص محافظاتهم من قبضة هذا التنظيم الإرهابي. كما لاقت ترحيبا دوليًا، وعززت موقع الإمارات والقوات الجنوبية ودورها كشريك صادق وفاعل في مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا.
وبهذا الصدد أشادت باحثة بريطانية بجهود المجلس الانتقالي الجنوبي في مكافحة الإرهاب في اليمن بدعم من دولة الإمارات، مشيرة إلى أن تنظيم القاعدة استفاد من فساد منظومة الحكم في تسويق نفسه في البلد.
وقالت إليزابيث كاندل الباحثة في جامعة أوكسفورد البريطانية، في ندوة حول الإرهاب في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إن هناك "علاقة بين منظومة الحكم والإرهاب، وهناك مستفيدون من استمرار الحرب والإرهاب".
وتحدثت كاندل عن تجربتها في حضرموت، التي زارتها أثناء سيطرة تنظيم القاعدة على ساحل حضرموت جنوبي اليمن، وكيف أن "التنظيمات الإرهابية استغلت فساد منظومة الحكم في البلاد في تسويق نفسها وسيطرتها عبر تقديم الخدمات للناس في تلك المناطق".
كما أشادت الباحثة بجهود المجلس الانتقالي والمقاومة الجنوبية في مكافحة الإرهاب، بدعم الإمارات العربية المتحدة، لكنها حذرت من مساعي التنظيمات الإرهابية إلى استخدام الأطفال والنساء في المستقبل.
واستعرضت كاندل في الندوة صورا تبين بعض الأنشطة للجماعات الإرهابية في الأوساط النسائية في اليمن.
وحذرت كاندل من دعم تلك التنظيمات من قبل دول إقليمية، ومن محاولات تقويض جهود قوات الأمن الجنوبية التي تتصدى لتلك التنظيمات الإرهابية، محققة إنجازات كبيرة في ذلك[5].
وانعكست هذه الجهود الإقليمية والدولية في مجال مكافحة تنظيم القاعدة في اليمن بصورة واضحة في تراجع التنظيم بصورة كبيرة في السنوات التالية ووفقًا لبعض الإحصائيات انخض نشاط تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” وتراجعت عملياته بشكل مطرد من 145 عملية في النصف الأول من عام 2017 إلى 128 عملية خلال النصف الثاني من العام نفسه، ثم إلى 62 عملية فقط في النصف الأول من عام 2018[6].
دفع الجيش الجنوبي ثمنا باهضا لمواجهة الجماعات الإرهابية التي استهدفت كوكبة من خيرة القادة الجنوبيين.
وعرفانا بالدورالإماراتي المميزخرج الجنوبيون في مظاهرات تأييد حاشدة، وعبرالمجلس الانتقالي الجنوبي في بيان له، إن ذلك يهدف إلى "التعبير عن امتنان الشعب الجنوبي للقوات المسلحة الإماراتية التي تقف بحزم مع القوات الجنوبية في مواجهة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في اليمن وفرع الدولة الإسلامية".[7]
تخادم حوثي إخونجي مع الجماعات الإرهابية:
ينظر اليمنيون جنوبا إلى قوات موالية لحزب الإصلاح، رافعة إخوان اليمن السياسية، بأنها وفرت مناخا آمنا لعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي وأعطته فائض القوة لعودة عملياته الإرهابية في الجنوب.
وتنتشر قوات موالية للإخوان في أجزاء من محافظتي حضرموت وأبين والمهرة، إلا أن غالبية هجمات التنظيم استهدفت بدرجة أساسية القوات الجنوبية أبرزها "الحزام الأمني "و "النخبة الحضرمية" و"النخبة الشبوانية"، والتي دفعت الثمن باهظا. وشاركت القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي في كل معارك حرب الإرهاب منذ 2015 وذلك بعد أن سمحت مليشيات الحوثي لتنظيم القاعدة بتوسيع رقعة سيطرته شرقا وجنوبا وصولا لمدن رئيسية كالمكلا عاصمة حضرموت قبل أن يتم تحريرها في إبريل/نيسان 2016.
في هذا الخصوص أوضح الناطق الرسمي للقوات الجنوبية محمد النقيب أنه "لا يمكن الفصل بين تنامي النشاط الإرهابي الإجرامي في بعض المحافظات عن المناخ الآمن والظروف المواتية التي توفرها قوات الإخوان العسكرية والأمنية للعناصر الإرهابية المتطرفة في مناطق سيطرتها"،. وبشأن دور الحوثي والقاعدة، أكد متحدث القوات الجنوبية أن "الحوثيين يديرون بالفعل الإرهاب جنوبا ونملك أدلة مثبتة أحدثها اعترافات منفذي العمليتين الإرهابيتين التي استهدفتا موكب محافظ عدن ووزير الزراعة اليمني وبوابة مطار عدن الدولي العام الماضي".وأشار إلى أن العناصر الإرهابية تستخدم بمثابة ذراع طولى للإرهاب من قبل مليشيات الحوثي وأداة فوضى من قبل الإخوان للعمل في عدم استقرار الجنوب [8].
ويوفر الحوثيون الموالون لإيران ملاذات آمنة لتنظيم القاعدة، في أعقاب صفقات أبرمتها الميليشيا مع تنظيم الإخوان الإرهابي، وطالب الصحافي الإخواني أنيس منصور بوقف الحرب على الإرهاب، مبررًا بأن من يقاتل التنظيمات الإرهابية قوات عسكرية لا تدين بالولاء للإخوان وإنها ميليشيات مثلها مثل القاعدة. 24، 24 فبراير 2019م.
التوصيات:
القضاء على التنظيم نهائيًا يتطلب توافر بعض الشروط والمتطلبات الضرورية، لعل أهمها:
- وضع حد للصراع العسكري الدائر في اليمن، والذي يستفيد منه التنظيم في تكثيف تواجده وتمدده في الأراضي اليمنية.
- مواصلة الجهود الإقليمية والدولية التي بذلت في السنوات الأخيرة لمواجهة التنظيم بذات الزخم والقوة، ولا سيما من قبل قوات التحالف العربي والولايات المتحدة
- دعم القوات الجنوبية، والبناء على ما تحقق من نجاحات كبيرة في هذا الصدد؛ لأن تراجع جهود مكافحة التنظيم ستعطيه الفرصة لإعادة بناء نفسه وقدراته من جديد، وهو ما سيشكل خطرًا على اليمن والمنطقة والعالم.
المراجع:
1- ويكيديا الموسوعة الحرة
2- مركز سوث 24، 27/8/2020
3- العرب اللندنية < داعش والقاعدة في اليمن: محاولات يائسة لاستغلال الفراغ الأمني> 20/5/2020
4- هاني سالم مسهور، ” الإمارات ومكافحة الإرهاب.. اليمن نموذجًا”، صحيفة البيان، دبي، 24 يناير 2019
5- سكاي نيوز عربية 17/9/2019
6- . lisabeth Kendall، op. cit. p.9
7- 5 سبتمبر 2019 وكالة شنخوا
8- العين الإخبارية 19/3/2022