الجيش الجنوبي: تاريخ رصين من المقاومة ورغبة في بناء قوة إحترافية
أي قراءة متأنية لتاريخ الجيوش ستبين لنا أنه لم يكن ممكنًا لأي وطن أن يستقر، أوحاكم أن يحكم دون جيش قوي يحمى بلاده، ودون أمن لحفظ النظام والأمن العام فى البلاد. "الحكم يعنى القوة، ومفهوم القوة تطور على مر التاريخ من قوة العنف إلى قوة الشرعية وقوة الشعب" [1].
للجيش رمزيّة خاصة عند الشعوب، فالجيش مناط به وظيفة حماية الوطن من الأخطار الخارجية أو المؤامرات والأعداء في كل المراحل.
هذه الدراسة هي محاولة متواضعة لتسليط الضوء حول الجيش الجنوبي ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.
في ال 30 من نوفمبر 1967م بدأ التاريخ الحديث للجنوب العربي بإعلان استقلال الجنوب وقيام دولته المستقلة وعاصمتها عدن.
موقع جنوب اليمن (1967 - 1990):
الجنوب العربي أو ما عرف بعد الإستقلال بـ "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" هو المنطقة الواقعة جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وتشمل أراضي حضرموت والمهرة المتاخمة لسلطنة عمان شرقًا وأرخبيل سقطرة في المحيط الهندي حتى باب المندب غربًا، وتكونت من ست محافظات، هي: عدن، لحج، أبين، شبوة، حضرموت، والمهرة ولاحقا أضيفت لها محافظتي الضالع وسقطرة. ومساحتها حوالي 360 ألف كم مربع. يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية وشمال اليمن، ومن الغرب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب، ومن الشرق سلطنة عمان (2).
ويتبع جنوب اليمن عدد من الجزر، أهمها: جزيرة سقطرة التي يبلغ طولها 125 كم وعرضها 42 كم. إضافة إلى جزيرة ميون أو جزيرة "بريم" الواقعة على مدخل مضيق باب المندب، إذ تبلغ مساحتها 13 كم، بالإضافة إلى عدة جزر أصغر في خليج عدن والبحر الأحمر أبرزها حنيش وزقر.
من الناحية الاستراتيجية، موقع جنوب اليمن يتمتع بأهمية بالغة، نظرًا لارتباطه بمضيق باب المندب التي تمر عبره خطوط الملاحة الدولية بالقرب من شواطئ عدن ولحج، فضلًا عن تركّز الثروات النفطية والغازية في شبوة وحضرموت [3].
الجيش الجنوبي:
ورثت الدولة الجنوبية الحديثة مؤسسة جيش محترف أشرفت على إعداده وتدريبه جيدًا السلطة الاستعمارية البريطانية التي حكمت الجنوب منذ 1839 وحتى 1967م وانحاز هذا الجيش إلى صف الشعب الجنوبي وثورته ضد المستعمر البريطاني. كما ظل كذلك منحازًا لصف الشعب الجنوبي في كل المراحل.
وتمكنت الدولة من بناء "جيش وطني احترافي بمساعدة الاتحاد السوفيتي حتى صار أقوى جيش في المنطقة، وخاض حروب دفاعية أبرزها حربي 1972 و1979م مع جيش الجمهورية العربية اليمنية وخرج من هذه الحروب منتصرا".
جاء في تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية أن "قوات اليمن الجنوبي مدربة بشكلٍ أفضل على استخدام معداتها، خاصة المدفعية والدبابات، اليمنيون الجنوبيون أجروا المزيد من التمارين بما في ذلك الاستخدام المتكرر للذخيرة الحية، ربما بسبب نفوذهم وتخطيط المستشارين السوفييت والكوبيين، الذين يُشرفون على مثل هذا التدريب... وربما تتلقى قوات اليمن الجنوبي أكثر دعم ناري دقيق من مدفعيتهم" [4].
شكل إعلان الوحدة اليمنية بشكل مفاجئ في 22 مايو 1990م ضربة موجعة للجنوب شعبا وجيشا، وهي الفرصة التي انتظرها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وطابوره الخامس بفارغ الصبر ومع سبق الإصرار والترصد لتفكيك الجيش الجنوبي وبدأ بنقل أقوى وحداته لمناطق قبلية معادية للجنوب كعمران وذمار، لتكون هذه هي أولى مراحل تدمير الجيش الجنوبي، وقبلها كانت بصمات صنعاء واضحة في تأجيج وتفجير الصراعات الداخلية وابرزها في يونيو 1978 ويناير 1986م.
لم تمض أشهر قليلة على قيام الوحدة حتى بدأت عمليات اغتيال القيادات العسكرية الجنوبية بدءا مستشار وزير الدفاع العقيد ماجد مرشد سيف عام 1992، وحتى اليوم، ناهيك عن القيام بالعديد من محاولات الإغتيال والإستفزاز والمضايقات للقيادات السياسية والعسكرية العليا بما فيهم نائب الرئيس علي سالم البيض وعضو مجلس الرئاسة سالم صالح محمد ورئيس مجلس النواب ياسين سعيد نعمان ورئيس الحكومة حيدر العطاس.
وجاء خطاب إعلان الحرب على الجنوب من قبل الرئيس الأسبق علي صالح في 27 ابريل 1994م ليعطي إشارة البدء للقوات الشمالية والقبائل ومشائخ حزب الإصلاح والجماعات الارهابية العائدة من أفغانستان لقتل الجنوبيين وبشكل خاص الجيش الجنوبي وبطرق غادرة في كل من عمران وذمار وحرف سفيان ويريم والبيضاء... مرورًا باجتياح مناطق الجنوب وانتهاءا باحتلال عدن في 7/7/1994م.
بعد حرب 1994م تعرض هذا الجيش إلى عمليات تفكيك وتدمير ممنهجة وشاملة، فقد تشرد الكثيرمن قادته وضباطه خارج البلد، وترك آخرون الخدمة أو أحيلوا إلى التقاعد القسري، وتم إدماج البقية في الجيش الشمالي "المنتصر".
و "تم دمج الجيشان اليمنيان للمرة الأولى ولكن تحت قيادة ذات لون سياسي واحد، تهيمن عليه أغلبية قبلية ومناطقية تدين بالولاء للرئيس صالح وأقاربه"[5].
في رواية مشاهد تدمير الجيش الجنوبي التي كان يقوم بها نظام علي عبدالله صالح والقوى القبلية والدينية في الشمال، أوضح العميد والطبيب الجراح سيف الجحافي "أن السيطرة وصلت – أيضا – إلى الخدمات والمعدات الطبية العسكرية في معسكر عبود بعدن والملحقات الطبية الأخرى التي وزعت على الجنود الشالميين، بعد أن كانت المعدات الطبية بمعسكر عبود بعدن لوحده تكفي مجموعة من المستشفيات الميدانية وتم نقل تلك الخدمات الطبية العسكرية إلى صنعاء، كما طال العبث مستشفى باصهيب العسكري بالتواهي" [6].
"أحيل قاده عسكريون كبار من الجيش الجنوبي عقب تفككه وتسريح الآلاف من الجنود والموظفين في الدولة وأحيلوا إلى التقاعد الإجباري...وهؤلاء شكلوا أساس ونواة الحركات الاحتجاجية والمقاومة ومكونات الحراك الجنوبي احتجاجًا على سوء أوضاعهم المعيشية، رافعين شعار القضية الجنوبية، ومطالبين بالانفصال" [7]
الحراك الجنوبي ليس مكونًا ولا حزبًا، بل هو مصطلح أو مفهوم أو تعبير اصطلاحي أطلق على حركة الإحتجاجات الشعبية في جنوب اليمن بدأ هذا الحراك عمليًا بجمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين المسرحين من أعمالهم، التي طالبت النظام الحاكم بالمساواة وإعادة المسرحين العسكريين والمدنيين إلى وظائفهم.
ويناضل الحراك الجنوبي منذ 7 يوليو 2007 من أجل الاستقلال التام لجنوب اليمن بـ "اعتباره محتلا بالقوة العسكرية من قبل اليمن الشمالي " [8].
دعونا نمر بشكل موجز على أبرز محطات كفاح ومقاومة ضباط وأفراد الجيش الجنوبي التي كانت حاضرة ومؤثرة في كل مراحل وأشكال النضال الجنوبي.
محطات في سفر الكفاح الجنوبي:
في عام 1996عاد سرا إلى أرض الوطن النقيب عيدروس قاسم الزبيدي ليضع لبنات الحراك الجنوبي الداعي إلى فك ارتباط الجنوب عن الشمال وأسس "حركة تقرير المصير" التي عرفت ب "حتم" ودشنت مرحلة العمل المسلح في الجنوب.
لاحقت سلطات نظام صنعاء وأصدرت حكما غيابيا بإعدام الزبيدي وشقيقه محمد، قبل أن يصدر الرئيس اليمني الأسبق علي صالح عفوا عنه عام 2000 ضمن إجراءات أخرى في محاولة لتهدئة الغضب الجنوبي. حينها ترك الزبيدي العمل العسكري واتجه للعمل السياسي كجزء من معركة واسعة للانتصار لقضية سياسية لها شعبها وكيانها وحضورها"[9].
شكل ضباط الجيش الجنوبي في المنفى أساس الجبهة الوطنية للمعارضة "موج" التي تأسست في لندن عام 1997م – 2000م واستطاعت أن " تضع البرلمانات الاوروبية، والبرلمان البريطاني ومجلس العموم البريطاني، والدول الخارجية، في الصورة مما يجري في الجنوب وما جرى، وكان لها مكتب وصحيفة "الوثيقة" وموقع الكتروني، كان أول موقع الكتروني جنوبي" [10].
عملية التصالح والتسامح"، التي تمت في 13 يناير من عام 2006، لتكوّن الأرضية الصلبة وعامل الثقة الذي يرتكز عليه الحراك الجنوبي.
يقول أحد المساهمين في تأسيس مشروع التصالح والتسامح، أحمد عمر بن فريد، عن ذلك: "عقب الاجتماع بجمعية ردفان في 13 يناير 2006م التي رعت فعالية التصالح والتسامح، قامت السلطة بتشميع الجمعية، وحدث هجوم إعلامي رسمي ضد مشروع التصالح والتسامح، وهي ظاهرة غريبة جدًا لكنّهم فعلوا ذلك لأنهم يدُركون أنّ هذا المشروع خطير في بعده الوطني وما يمثله من أرضية لانطلاق تهديد لأهدافهم ومطامعهم" [11].
بعد ذلك الاجتماع بدأت عملية إنشاء جمعيات مدنية خاصة بالمتضررين من الحرب بموازة اجتماعات شعبية للتسامح والتصالح إلى أن توحدت جميعًا للخروج للمرة الأولى بمظاهرة كسر حاجز الخوف في 7 يوليو 2007 في ساحة العروض بخور مكسرعدن.
شكل الضباط الجنوبيون في المنفى أساس التجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج" الذي أعلن عنه في المملكة المتحدة في 7 يوليو 2004م برئاسة العميد ركن عبدالله أحمد بن أحمد وأمينه العام العميد ركن بحري أحمد عبدالله الحسني... وكان له السبق في التمسك بدولة "الجنوب العربي" [12].
في أبريل 2009 اعتقلت السلطات اليمنية السفير السابق قاسم عسكر جبران، وهو قائد سابق في الجيش الجنوبي، واتهمته بـ "تهديد الوحدة والتحريض على قتال السلطات". ونُقل جبران إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء وأحيل للمحاكمة بناء على أدلة قوامها "خُطب ووثائق ومنشور بعنوان "مشروع لرؤية خاصة بحراك الكفاح السلمي لقضية الجنوب ومستقبل شعب جنوب اليمن" ووثيقة تفيد بالانتماء إلى "المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة جنوب اليمن" [13].
في أواخر أبريل ومطلع مايو 2009 وقعت مصادمات مسلحة بين شباب الحراك الجنوبي من قبائل ردفان وقوات الأمن في جبال الأحمرين بالقرب من الحبيلين، على بعد 100 كيلومتر تقريبًا شمال شرق عدن وذلك بسبب قيام قوات الجيش باستحداث مواقع عسكرية على جبال الأحمرين المطلة على مديريات ردفان الأربع وهو ماخلق حالة من الاستهجان والرفض لدى الحراك الجنوبي وأشعل فتيل المواجهات المسلحة بين الطرفين وأدت إلى مقتل عدة جنود وإصابة عدد من المدنيين. وفي يوليو 2009، وقع صدام في زنجبار، عاصمة محافظة أبين، وخلف 12 قتيلًا على الأقل.
تعرض عشرات الضباط الجنوبيين للملاحقة والاعتقال منهم العقيد عبدالله مثنى الحالمي والعقيد ثابت البرطي والعقيد فضل العيسائي والعقيد سيف علي أبو عمروالعقيد حقيس...الخ
مع اشتداد واتساع دائرة ثورة الشباب التي عمّت معظم المدن اليمنية مطلع عام 2011 مطالبة برحيل الرئيس الأسبق وإسقاط النظام، أعلن الأمين العام للحراك الجنوبي عبد الله حسن الناخبي من صنعاء وقف مطالب "الانفصال" بشكل مؤقت، والانضمام إلى المظاهرات والاحتجاجات التي تعم البلاد، لكن فصائل الحراك الأساسية رفضت هذا البيان مؤكدة استمرار مطالبتها بفك الارتباط، وانسحب أعضاء الحراك من المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية الذي شكلته المعارضة في الآونة الأخيرة وقالوا إن تمثيل الجنوبيين في المجلس غير منصف حيث طالبوا ب 50 % من المقاعد بينما يقول منظمي المجلس أن التقسيم وتوزيع المقاعد لايكون لأبناء الجنوب وزن المناصفة وكان هناك تخوف من تثبيت أحقيه المناصفة في باقي الأمور السياسية كمجلس النواب أو الوزارات تم على أساس المنظمات والأحزاب والهيئات وجميع أطياف المجتمع اليمني وليس على أساس الشمال والجنوب [14].
وفي نفس الوقت كشرت قوى الإرهاب في صنعاء أنيابها ودمويتها واغتالت العديد من ضباط الجنوب وخاصة الطيارين الحربيين والمهندسين وقادة الحراك الجنوبي...وأمام ذلك أعلن الزبيدي في عام 2011م عن عودة النشاط المسلح لحركة "حق تقرير المصير" في الجنوب وأسس في أوائل 2014 "المقاومة الجنوبية" في الضالع للدفاع عن أبناء الجنوب في وجه جرائم القوات الشمالية والأمن المركزي. وفي العام التالي تشكلت النواة الأولى للقوات الجنوبية ومقاومة الغزو الثاني للجنوب الذي قاده الحوثيون هذه المرة بالتحالف مع الرئيس الأسبق علي صالح... وبفضل الله وبفضل هذه المقاومة صمدت الضالع وكانت الصخرة التي تحطم عليها الغزوالحوثي والمشروع الايراني في الجنوب خاصة والمنطقة عامة.
نظم الجنوبيون أنفسهم وفي طليعتهم ضباط الجيش في تجمعات هدفت إلى تنسيق الجهود للدفاع عن الحقوق والحريات ودعم الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية. ومن أبرز هذه التجمعات التي كانت الأقرب إلى نبض ونشاط الحراك الجنوبي الأرض كان الملتقى التشاوري لأبناء الجنوب الذي تأسس في صنعاء في ابريل 2011م برئاسة القبطان سعيد يافعي والدكتور صالح باصره.
جاء تدخل التحالف العربي وانطلاق عاصفة الحزم ليمنح المقاومة الجنوبية زخمًا متجددًا قويًا أدى إلى صمود الضالع وتحرير عدن والعند ومن ثم بقية المحافظات.
في يوليو 2015، حاولت مليشيات الحوثي اغتيال اللواء الزبيدي عبر كمين مسلح ومحكم في المسيمير في لحج لكن الرجل نجى من الموت وعاد لبناء القوات الجنوبية من الصفر وتأسيس قوة عسكرية عريضة.
في معمعان المقاومة ضد الحوثيين وبدعم من التحالف العربي تشكلت القوات الجنوبية كالأحزمة الأمنية وقوات الدعم والإسناد والعمالقة والعاصفة وغيرها من وحدات المدفعية والمدرعات ووحدات التأمين الفني والهندسي والإداري...الخ
وفي ظل الحرب المضادة ضد الجنوب التي قادها تنظيم الإخوان تحت مظلة "الشرعية"، ناهيك عن حروب الإرهاب والخدمات، اضطلع اللواء الأول مشاه الذي قاده اللواء عيدروس الزبيدي بوظيفة ومهام هيئة أركان عامة للقوات المسلحة الجنوبية.
تعمد نظام 7/7 الزج بما بقي من وحدات جنوبية وقادة جنوبيين في محرقة حروب صعدة 2004-2010، واستشهد العديد منهم في هذه المعارك..ومع ذلك تمكن القادة الجنوبيون وعلى رأسهم ثابت جواس وفيصل رجب وسالم الوحيشي وفضل حسن من الحاق شر الهزائم بالحوثيين.
الحرب على الإرهاب:
تولى القادة الجنوبيين مهمة قيادة وحدات مكافحة الإرهاب بدءًا من اللواء سالم علي قطن، مرورا باللواء محمود الصبحي، اللواء عيدروس الزبيدي، اللواء أحمد سيف اليافعي، اللواء شلال علي شايع واللواء فرج سالمين البحسني والعميد ابي اليمامة والعميد عبد اللطيف السيد..إلخ.
شهدت جهود مكافحة التنظيم الإرهابي دفعة قوية، بعد دخول قوات التحالف العربي إلى اليمن لقتال المتمردين الحوثيين، حيث وضعت هذه القوات من ضمن أولوياتها استهداف التنظيمات الإرهابية الأخرى وعلى رأسها تنظيم القاعدة؛ وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة دورها الأبرز والأهم في هذه المواجهة، حيث أشرفت على تدريب العديد من القوات اليمنية الجنوبية، التي تمكنت من صد هجمات تنظيم القاعدة على مدينة عَدَن بعد تحريرها وطرد العناصر المتطرفة منها.
كما تمكنت هذه القوات، بدعم الإمارات ومساندتها، من تأمين العديد من المدن والمحافظات وتحريرها من قبضة التنظيم وخطره، مثل لَحْجِ، وأبْيَن، وشبوة، وساحل حضرموت، الذي ظل خاضعًا لسيطرة إرهابي القاعدة لأكثر من عام[15].
وتمكنت هذه القوات عام 2016، بدعم ومشاركة إماراتية فاعلة، من تحرير مدينة المُكَلَّا الاستراتيجية، وساحل حضرموت بالكامل، من قبضة تنظيم القاعدة، واستمرت هذه الجهود في مطاردة عناصر القاعدة بعد ذلك حتى تمكنت من تحرير معظم الأراضي الخاضعة لهم.
ولاقت هذه الجهود الإماراتية ترحيبًا كبيرًا من أبناء اليمن، ولا سيما الجنوبيين الذين اعتبروها فرصة لتخليص محافظاتهم من قبضة هذا التنظيم الإرهابي. كما لاقت ترحيبا دوليًا، وعززت موقع الإمارات والقوات الجنوبية ودورها كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا.
وانعكست هذه الجهود الإقليمية والدولية في مجال مكافحة تنظيم القاعدة في اليمن بصورة واضحة في تراجع التنظيم بصورة كبيرة في السنوات التالية ووفقًا لبعض الإحصائيات انخض نشاط تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” وتراجعت عملياته بشكل مطرد من 145 عملية في النصف الأول من عام 2017 إلى 128 عملية خلال النصف الثاني من العام نفسه، ثم إلى 62 عملية فقط في النصف الأول من عام 2018[16].
دفع الجيش ثمنا باهضا لمواجهة الجماعات الإرهابية التي استهدفت كوكبة من خيرة القادة الجنوبيين.
القضاء على التنظيم نهائيًا يتطلب توافر بعض الشروط والمتطلبات الضرورية، لعل أهمها:
1- وضع حد للصراع العسكري الدائر في اليمن، والذي يستفيد منه التنظيم في تكثيف تواجده وتمدده في الأراضي اليمنية.
2- مواصلة الجهود الإقليمية والدولية التي بذلت في السنوات الأخيرة لمواجهة التنظيم بذات الزخم والقوة، ولا سيما من قبل قوات التحالف العربي والولايات المتحدة والقوات الجنوبية، والبناء على ما تحقق من نجاحات كبيرة في هذا الصدد؛ لأن تراجع جهود مكافحة التنظيم ستعطيه الفرصة لإعادة بناء نفسه وقدراته من جديد، وهو ما سيشكل خطرًا على اليمن والمنطقة والعالم.
مشاورات الرياض:
"خلال مشاورات الرياض تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي أظهر الانتقالي انفتاحه على كل الأطراف شمالا وجنوبا لدعم أي مسارات للسلام تراعي خصوصية القضية الجنوبية دون تسويف أو مماطلة. وفي لقاءات عقدت على هامش الحوار في الرياض أظهر الإنتقالي موقفا موحدا للجنوبيين في خطوة عكست رسائل سياسية عدة لأطماع الخراب الرامية إبتلاع الجنوب الذي لفظ باكرًا مليشيات الحوثي ونظيرتها الإخوانية". [17]
وعلى مستوى المعركة لاستعادة الشمال اليمني الخاضع غالبيته لسيطرة من مليشيات الحوثي بما فيه صنعاء بالسلم أو بالحرب أكد المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل متكرر دعمه لأي مسار على أن يتم ذلك بعد الاعتراف بالقضية الجنوبية وأن يدير الجنوبيين شؤون محافظاتهم.
مشاورات الرياض خلقت اصطفافا سياسيا يمنيا جديدا شمالا وجنوبا، يساهم في ردع الإرهاب ويدعم أي خيارات لإنهاء انقلاب الحوثي عبر إصلاح اختلالات منظومة الشرعية ورسم خارطة إنقاذ للسلم أو للحسم حتى إخضاع مليشيات الحوثي للسلام.
وفتحت آفاقا واسعة لتشكيل مجلس قيادة رئاسي لنقل اليمن من الحرب إلى السلم، والتوجه نحو حل سياسي شامل ينهي الحرب ويحقق السلام في الجنوب واليمن والمنطقة بأسرها.
القوات الجنوبية هوية وعقيدة:
بعد المسيرة الكفاحية الحافلة بالنضال والجهود للقوات الجنوبية... من الضروري بناء وترسيخ العقيدة العسكرية والهوية الوطنية والاحترافية لهذه القوات.
العقيدة العسكرية هي مصطلح عام لوصف آداء الوحدات والقوات خلال الحملات والعمليات والمعارك والاشتباكات العسكرية المختلفة، وتشكّل في الأساس خطوط عريضة ومقترحات عملية لتقديم إطار عمل قياسي موحّد داخل المؤسسة العسكرية الواحدة تساعد على إتمام المهام المختلفة أكثر من كونها مجرّد قوانين ونظريات جامدة.
تعمل على الربط بين النظريات والتاريخ والتجارب والخبرات العملية، كما تهدف لتعزيز التفكير الإبداعي والابتكاري داخل المؤسسة العسكرية لإيجاد حلول غير نمطية في مواجهة المواقف القتالية المتعددة علاوة على إمدادها المؤسسات العسكرية بأساليب قيام القوات المسلحة بتنفيذ العمليات المختلفة ووضع دستور محدد يستخدمه القادة العسكريون وواضعو الخطط القتالية أثناء إدارتهم للمعارك.
الإنضباط العسكري الصارم والهندام العسكري اللائق واليقظة والإحساس الأمنيين العاليين والحفاظ على الأسرار العسكرية وأسرار الدولة وأمنها القومي.
التدريب الاحترافي والحديث واللياقة البدنية والعقلية وتطوير المدارك والمعارف والثقافة العامة.
جيش مهني احترافي:
ينبغي معالجة أوجه القصور التي رافقت نشوء القوات الجنوبية إذا أُريد للجيش أن يكون ذات طابع مهني وفقًا لقوانين الخدمة. فتحديد ما يحتاج إلى التغيير يتطلب فهمًا أفضل لما يعنيه إضفاء الطابع المهني على قوة عسكرية. وتتمثل تلك التدابير في:
أولًا- وحدة القيادة وكذلك العمل على توظيف وتدريب صغار القادة القادرين على الاستجابة من خلال التسلسل القيادي العسكري المُتعارف عليه. فضلًا عن تعزيز الروابط بين هذه الوحدات، وتحديد مجالات تداخل وتكامل المسؤوليات والمهام.
ثانيًا- مكافحة الفساد: من خلال الربط بين أعمال التدريب والدعم التقني، وتبني ممارسات الشفافية والمساءلة، عبر تأسيس آلية ديناميكية يصبح معها التخلي عن الممارسات الفاسدة جديرًا بالاهتمام، مع تقديم الخبرة والدعم التكنولوجي لحمل العسكريين على تبني إجراءات لتقليل فرص الفساد، وضرورة العمل على تشجيع القيادة على تطوير ونشر أخلاقيات مهنية تتوافق مع الثقافة الجنوبية التي تؤسس هوية الجيش عبر الالتزام بالمثل الإنسانية والكفاءة والإدارة الفعالة.
ثالثًا- العمل الاستخباراتي والتكنولوجي واللوجيستي الفعال: من خلال تشجيع العسكريين على استخدام وصيانة الاتصالات العسكرية، وتحسين عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية، والأهم من ذلك العمل المشترك من أجل تزويد القوات بمعلومات محدثة في الوقت المناسب وقابلة للتنفيذ. فضلًا عن القضاء على صراع المصادر.
رابعًا- رفع كفاءة الجيش الجنوبي: من خلال تحسين القدرات الإدارية من مساءلة وموارد ورواتب ومعيشة أفضل للجنود، وصولًا لبناء الثقة بين الجنود والقادة، والتوسع في تعيين خريجي الجامعات والأكاديميات، خاصة في المجالات الفنية، وتكثيف التعاون العلمي والأكاديمي بالتركيز على المهارات التكتيكية والتشغيلية والمعايير والضوابط الوظيفية.
خامسا: تفعيل وتشجيع نشاط التوجيه المعنوي والثقافي والرياضي والإعلام الحربي وفقا لأسس علمية وطنية وتقنية حديثة
المصادر:
1- عماد الدين أديب، صحيفة الوطن المصرية 17 مايو 2017م.
2- ويكيبيديا الموسوعة الحرة
3- مركز سوث 24، 17/8/2021
4- وثيقة رُفعت عنها السرّية لـ «سي آي إيه» تُقارن قدرات جيشي اليمن الجنوبي والشمالي ’الإثنين، 31-08-2020 مركز سوث 24.
5- ويكيبيديا الموسوعة الحرة
6- صدى عدن 2 سبتمبر 2012م
7- Regionalism and Rebellion in Yemen: A Troubled National Union By Stephen W. Day p.230
8- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
9- أخبار الرئيس عيدروس الزبيدي 12 مارس 2018
10- عبد الرحمن الجفري، موقع يمنات 6يونيو 2012
11- الرفض الجنوبي لهذا الواقع وثيقتي للتوحيد 4-3 ،سلسلة مقالات لـ د. محمد حيدرة مسدوس، منشورة بتاريخ: 2 ديسمبر 2011،
12- محمد النعماني، الحوار المتمدن، 30 سبتمبر 2009م.
13- الوحدة ملخص، هيومن رايتس ووتش"، مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020.
14- الوحدة اليمنية ملخص، هيومن رايتس ووتش"، مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020.
15- هاني سالم مسهور، ” الإمارات ومكافحة الإرهاب.. اليمن نموذجًا”، صحيفة البيان، دبي، 24 يناير 2019.
16- ]. lisabeth Kendall، op. cit. p.9.
17- العين الإخبارية 9 ابريل 2022