ترابط إستراتيجي: نظرة على العلاقات السياسية بين مصر وجنوب اليمن على مر العصور
العلاقات بين جنوب اليمن "الجنوب العربي" ومصرعلاقات حميمة وقديمة واستراتيجية تمتد آلاف السنين، حيث لعبت مصر دورا تاريخيا على الساحة اليمنية عامة والجنوبية خاصة في العصور القديمة والحديثة على السواء، غير أن كل ما نشر أو معظمه عن هذه العلاقات تجاهل العلاقة الاستراتيجية القوية التي كانت تربط جنوب اليمن بمصر ما قبل الوحدة مع الشمال عام ١٩٩٠م.
لذلك فإن هذه الدراسة تحاول تسليط بعض الأضواء على تلك العلاقات التاريخية والحيوية، فبالعودة إلى العصر القديم نشير إلى أنه ومن من "أقدم الشواهد الذي يشير إلى تواصل البلدين حرص الملك تحتمس الثالث إرسال وتلقي الهدية من التجار اليمنيين الذين كانوا المورد الرئيسى للبخور إلى المعابد المصرية القديمة"[1].
علاقات استراتيجية
عدا القواسم المشتركة الكثيرة، لعب الوضع الجغرافي للبلدين على ضفتي البحر الأحمر جنوبًا وشمالًا وسيطرة جنوب اليمن على مضيق باب المندب عن طريق جزيرة ميون في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وارتباطه بقناة السويس، دورًا حيويًا في تطور العلاقات بين البلدين والشعبين العربيين الشقيقين.
وفى العصر الحديث "حرص محمد على باشا على مد نفوذ الدولة المصرية إلى اليمن وتقوية العلاقات التجارية وتبادل السلع بين البلدين وعلى فرض سيطرة الدولة المصرية على طرق التجارة في البحر الأحمر وأنشأ أسطولًا مصريًا قويًا سيطر على البحر الأحمر"[2].
وتعززت أواصر العلاقة بعد دعم مصر لثورتي اليمن فى ستينيات القرن الماضي بالدم وبالسلاح فى فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، حيث شاركت قوات مصرية في دعم ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م في شمال اليمن فى التخلص من الحكم الأمامي الكهنوتي ودعم ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣ في الجنوب للتحرر من الاستعمار البريطاني الذي استمر ١٢٩ عامًا.
"مثل قيام ودعم الثورات العالمية والعربية وخاصة ثورة أكتوبر الاشتراكية وظهور الاتحاد السوفيتي وثورة ٢٣ يوليو في مصر وعمل الرئيس المصري جمال عبدالناصر أن يتخذ من تواجده العسكري والسياسي في اليمن الشمالية للدفاع عن ثورة ٢٦ سبتمبر فرصة لدعم ثورة ١٤ أكتوبر في الحنوب سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا، وكذلك الثورة الجزائرية كان لها دورًا فعالًا"[3].
كانت مصر هي الداعم الأول والأكبر لثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب الذي حقق استقلاله عن الاستعمار البريطاني في 30 نوفمر 1967م.
في مصر درس العديد من قادة ثورة 14 أكتوبر وقادة دول الجنوب وتخرجوا من الكليات والمعاهد المصرية أبرزهم سيف الضالعي الذي أصبح أول وزير خارجية في حكومة استقلال الجنوب وكذلك فيصل عبداللطيف الشعبي الذي أصبح رئيسًا للوزراء وكان الدينمو المحرك للثورة وللجبهة القومية التي قادت الثورة، وكذلك علي سالم البيض وزير الدفاع في أول حكومة، وحيدر العطاس وزير الأشغال والمواصلات.
كان للزعيم العربي المصري جمال عبدالناصر دورًا مؤثرًا قولًا وفعلًا في دعم ثورة الجنوب حيث أعلن في خطاب ألقاه في تعز 22 أبريل 1964 "أن بريطانيا لا بد وأن تجلو عن عدن – إن كلًا من عدن والجنوب العربي أرض عربية وأنه من المستحيل تمامًا على بريطانيا أن تفرق بين عرب وعرب" [4].
اعتمدت دولة الجنوب كثيرًا على الخبرات المصرية في كافة المجالات تقريبًا كالقوانين واللوائح والأنظمة الإدراية.
الجدير بالذكر أن كلًا من مصر والجنوب كانتا مستعمرتين بريطانيتين وقبلهما امتد نفوذ محمد علي باشا إلى الجنوب، وارتبط الشعبان بعلاقات ثقافية واجتماعية حميمة وواسعة. ربما كان شعب الجنوب أكثر تأثرًا بالثقافة والفن المصريين والعادات الشعبية أكثر من أي شعب عربي آخر... حتى في اسماء المواليد والمدن والأحياء السكنية نجد مدن جنوبية بأسماء مصرية كالقاهرة والمنصورة والعريش والصعيد والقنال وسيناء، ومن أسماء المواليد جمال، عبد الناصر، أسوان، سيناء...الخ.
تطورت العلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين الشقيقين بشكل مضطرد منذ قيام دولة الجنوب في ال30 من نوفمبر عام 1967م، حيث زار القاهرة أول رئيس جنوبي 1967-1969 قحطان الشعبي أكثر من مرة وأقام فيها وفي الاسكندرية أيام الثورة... وكذلك رئيس الوزراء علي ناصر محمد حيث استضافت ورعت القاهرة وجامعة الدول العربية مباحثات ثنائية في اليمن الجنوبية واليمن الشمالية في أكتوبر 1972م إثر اشتباكات سبتمبر الحدودية بين البلدين.
وفى حرب أكتوبر 1973، أغلقت مصر بمساعدة البحرية الجنوبية باب المندب طوال الحرب ولم تفتحه إلا فى يناير 1974، بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلى من غرب قناة السويس.
شارك قائد الجيش الجنوبي المقدم عنتر بدعوة مصرية رسمية بحفل إعادة افتتاح قناة السويس ٥ يونيو ١٩٧٥م.
وعلى الرغم من فتور العلاقات الرسمية بين الدولتين بعد زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977م وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل إلا أن العلاقات الشعبية بين الجنوب ومصر ظلت حميمة.
أيدت مصر الوحدة اليمنية عام 1990م، وأثناء أزمة وحرب 1994 التي شنها شمال اليمن بقيادة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ضد الجنوب، رفضت مصر بشدة تلك الحرب وتعاطفت مع الجنوب، وأكد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك "إن مصر ما دام دعمت قيام الوحدة اليمنية السلمية عام 1990م فإنه ا تعلن رفض فرض الوحدة بالقوة"[5].
احتضنت مصر العروبة على أرضها عددًا من أبناء الجنوب بما فيهم قادة سياسيين وعسكريين بارزين بعد حرب 1994م التي سيطر فيها الشمال على الجنوب بالقوة المسلحة واعتمدوا على الأغلبية العددية....وكذلك كان الحال ومازال منذ اندلاع حرب 2015م.
وبعد محاولة الحوثيين السيطرة على باب المندب عام 2015م، مع اندلاع الحرب فى اليمن جاء التأكيد من الحكومة المصرية بأن تأمين مضيق باب المندب أمن قومى، وأنه ليس لمساعدة الاشقاء في اليمن فقط، لكن للمحافظة على الأمن القومى المصرى، الذي يبدأ من "باب المندب"[6].
وتقوم القطع البحرية المصرية الموجودة هناك بالاضافة إلى عناصر من القوات الجوية، بدورها في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لوقف إمدادات الحوثيين بالسلاح والمواد اللوجيستية، عن طريق السواحل البحرية، والحد من قدرتهم على تهديد الملاحة الدولية ما يعد جزءًا من الأمن القومى المصرى.
الأزمة اليمنية.. مواقف مصرية داعمة
اتخذت القاهرة قرارًا فى 23 فبراير 2015 بإغلاق سفارتها فى العاصمة صنعاء بعد سيطرة الجماعات المسلحة عليها، وتوافقًا مع المواقف الخليجية والدولية بإغلاق السفارات فى العاصمة صنعاء، وأعلنت مصر فتح سفارتها فى عدن استمرارًا للدعم السياسى للسلطة الشرعية فى اليمن بعد اتخاذ الرئيس منصور هادى المدينة مقرًا له ودعمًا لشرعيته وتوافقًا مع المواقف الإقليمية والدولية.
و "أعلنت مصر دعمها الكامل للحملة العسكرية (عاصفة الحزم) ضد معاقل الحوثيين فى اليمن ودعمًا للشرعية السياسية للرئيس هادى ومشاركتها فى الحملة التى تكونت من دول مجلس التعاون ومصر والمغرب والسودان والأردن وبتأييد دولى من مجلس الامن للحملة، كما وقفت مصر بحزم ضد التدخل الإيراني في اليمن ودعمها لجماعة الحوثي، مؤكدة على حق الشعب اليمني في اختيار من يحكمه"[7].
كما وافق مجلس الدفاع الوطني المصري فى يناير 2017 برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، على تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة في مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب.
موقف مصري ثابت: لا وحدة بالقوة
انطلاقا من موقف مصر الثابت فيما يتعلق بالصراع في اليمن أيدت مصر اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019م الذي قضى بتشكيل حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال... حيث "أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، دعم بلاده لتنفيذ كافة بنود اتفاق الرياض، مؤكدًا أن القاهرة تؤمن بأن الحل السياسي هو السبيل الأمثل للأزمة اليمنية"[8].
كما رحبت وزارة الخارجية المصرية بقرار إنشاء مجلس قيادة رئاسي فى اليمن من 8 أعضاء مناصفة بين الجنوب والشمال، معتبرة في بيان لها، "أن تلك الخطوة تساهم فى عبور اليمن إلى بر الأمان.
وقالت الوزارة "تابعت جمهورية مصر العربية، اليوم 7 أبريل الجاري، باهتمام بالغ التطور الخاص بإنشاء مجلس قيادة رئاسي بالجمهورية اليمنية لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في اليمن الشقيق، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.
وأضاف البيان: "ترى مصر في هذه الخطوة تطورًا هامًا ترحب به لما نأمل أن تؤدي إليه من عبور باليمن الشقيق إلى بر الأمان والاستقرار، من خلال التوصل إلى توافق يمني-يمني لعبور المرحلة الانتقالية وإنهاء الصراع"[9].
الخلاصة والتوصيات:
- العلاقات بين جنوب اليمن [الجنوب العربي] ومصر علاقات حميمة وقديمة واستراتيجية تمتد لآلاف السنين.
- عدا القواسم المشتركة الكثيرة بين البلدين، لعب الوضع الجغرافي للبلدين على ضفتي البحر الأحمر جنوبا وشمالا وسيطرة جنوب اليمن على مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وارتباطه بقناة السويس، لعب وسيظل يؤدي دورًا حيويًا في تطور العلاقات بين البلدين والشعبين العربيين الشقيقين.
- مصر دولة محورية كبيرة ومهمة في المنطقة ومفتاح للعالم كله تحتاج إليه الجنوب بمسيس الحاجة وبإلحاح شديد لمصلحتها ولمصلحة الأمن القومي المصري والعربي.
المراجع:
1- أخبارمصر، أميرة ماهر 10/8/2019
2- أخبار مصر، أميرة ماهر 10/8/2019 مرجع سابق
3- العيمد الركن ثابت حسين صالح، موقع الأمين برس، 14/10/2020
4- محمد عبدالله السيد، صحيفة الثورة اليمنية، 25/9/2012
5- صحيفة الأهرام المصرية 23/5/1994
6- أخبار مصر، أميرة ماهر 10/8/2019 مرجع سابق
7- صيحفة الأهرام المصرية 13/4/2015
8- قناة العربية 11 اكتوبر 2021م
9- اليوم السابع 7/4/2022