تنظيم الإخوان المسلمين ودوره في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة
الإِخْوَانُ المُسْلِمُون جماعة "إسلامية عالمية"، تصف نفسها بأنها «إصلاحية شاملة»، وتقوم على شمولية الإسلام فتعرفه بأن «الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف»[1].
أسسها حسن البنا في مصر في 22 مارس عام 1928م عقب سقوط الخلافة الإسلامية ك "جماعة من المسلمين تعمل علي استعادة الخلافة والقيام بأدوارها في المجتمع وإعادة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، والجهاد من أجل تحرير الأمة من كل سلطان أجنبي" [2]،عبر الإصلاح التدريجي بدءًا من «الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية، فالدولة الإسلامية، وصولًا لأستاذية العالم»،
لكن سجل هذه الحركة في كثير من الدول وخاصة العربية، حيث وصلت لسدة الحكم أو شاركت فيه في عدد من الدول العربية مثل الأردن ومصر وفلسطين واليمن، وتحت يافطة "المعارضة"...هو سجل حافل بأنشطة تخريبية وتدميرية بما فيها العنف والقتل والإرهاب.
العنف جزء لا يتجزأ من استراتيجية التنظيم الإخوانى فى سبيل الوصول إلى السلطة، ومحاولات تبرير هذا العنف أو التملص منه عبر إلصاقه فى تنظيمات صغيرة، لكنها على كل حال هى أدوات فى يد التنظيم.
الجناح العسكري
سمى التنظيم أو الجناح العسكرى المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين بالسرى لأن البيعة داخله كانت سرية، وبما أن السرية جزء أصيل من عقيدة الجماعة وقد كان الهدف الأساسى من إنشاء التنظيم هو إيجاد جيش من المسلمين بديلا للجيش الوطنى، وحسب رسائل البنا فكان المستهدف من عدد لهذا الجيش هو 12 ألفًا.
الفكرة فى مجملها جذبت “مصطفى مشهور” الطالب فى كلية العلوم آنذاك ولم يكن الهدف من هذا الجيش هو محاربة الإسرائيليين فى حرب 1948 والدليل حسب وثائق الإخوان أنفسهم أن الأوامر قد صدرت لهم فى هذا الوقت بعدم الاشتباك فى المزيد من المعارك لأن هناك محاولات متعمدة لتصفية الجهاديين.
كان لأعضاء جماعة الإخوان المنتمين للتنظيم الخاص مكانة أرفع عن أولئك الذين يعملون فى الدعوة فقط وهو أمر منطقى بالنظر إلى طبيعة الجماعة التى تشجع العنف والاغتيالات.
اكتسب التنظيم السرى الشكل العنقودى وكان محاط بدرجة عالية من الكتمان حتى بين أعضاء التنظيم نفسه وكان هناك 15 من قياداته العليا لا يحق لهم الاتصال ببعضهم البعض مباشرة وعلى عكس ما يشاع من أن حسن البنا رفض استخدام العنف فقد كان من أوائل المرحبين بها ورأى فى الجهاد طريقة لنشر دعوته بل أنه قام بتوفير المعسكرات لتدريب تلك القوة العددية خصوصًا بعد أن انسحبت من التنظيم جماعة “محمود عزت”.[3].
ظلت جماعة الإخوان المسلمين، وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، وما زالت تستغل أي أوضاع اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية في التمدد والانتشار في المجتمع، وتُوظفها بما يخدم مشروعها السياسي بالأساس الذي يستهدف الوصول إلى السلطة حتى لو كان ذلك على حساب الدولة الوطنية، وتدمير مُقوماتها الرئيسية.[4]
ومع "ثورات الربيع العربي" أصبحت تركيا أردوغان أكبر داعم سياسي وإعلامي للتنظيم «الإخواني» بفروعه في دول الربيع، وبعد سقوط «الإخوان» في مصر أصبحت تركيا مقرًا لأنشطة التنظيم؛ حيث تكونت «غرفة عمليات القاهرة» في إسطنبول وتم دعمها من التنظيم الدولي بمبلغ 100 مليون دولار.
وكانت قطر مأوى العدد الأكبر من الهاربين من مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو2013م. والدور القطري المساند ل«الإخوان» أجلى من أن يخفى، فقد ساندت بالدعم الإعلامي والمالي وصول «الإخوان» لحكم مصر، وحزب النهضة لحكم تونس، وساعدت على العمليات العسكرية لتغيير نظام معمر القذافي وصعود «الإخوان»، كما دعمت «إخوان» سوريا ومحاولات تغيير النظام ووصول حزب الإصلاح في اليمن إلى السيطرة على مقاليد الحكم و"الجيش الوطني والاعلام".
الدعم القطري ل«الإخوان» مفتوح حتى وصولهم إلى سدة الحكم؛ حيث هناك انتخابات، أو دعمهم بالسلاح في الدول التي يقتضي تغيير الأنظمة فيها عملًا عسكريًا كما في ليبيا وسوريا، إلى جانب فتح قناة الجزيرة الفضائية القطرية لقيادات «الإخوان» وبث التغطيات المكثفة حتى لو كانت دعائية ومفبركة.
وتمثل لندن محطة مهمة لأنشطة التنظيم الدولي الذي يملك عددًا من شركات «الأوف شور» في عدد من الدول الغربية والتي تضطلع بدور أساسي في تمويل جماعة «الاخوان».[5]
السيسي وكسر شوكة الإرهاب:
وضعت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي خطة استراتيجية للقضاء على التهديد الذي شكله تنظيمالإخوان المدعوم من الخارج، فكانت الخطة جزء من استراتيجية عامة، وكان جزء من محاورها التنمية بجانب الدور الثقافي والتوعوي والأمنى والعسكري، والذي نجح في تفكيك خلايا التنظيمات، ولذلك يمكن اعتبار ما قام قام به الرئيس السيسي خلال الـ8 سنوات الأخيرة بأنه استراتيجية شاملة وناجحة في القضاء على الإرهاب.
ووفقا للخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن "مصر باتت لديها تجربة رائعة سواء للقضاء على التنظيمات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي وهي الموجة الأولى للإرهاب، أو حتى تنظيمات العنف والتطرف التي نشطت بعد عام 2013".
وتابع أديب: "لذلك كانت الخطة المصرية ليس فقط القضاء على تنظيمات العنف والتطرف التي تهدد أمن مصر القومي داخل الحدود المصرية، بل قامت مصر بالقضاء على الإرهاب حتى خارج حدودها استشعارا بخطر الإرهاب وأنها تدرك وتعلم أن انتشار الإرهاب في أي مكان يهدد الأمن والسلم الدوليين، وبذلك وضعت يديها في يد كل من يريد مواجهه الإرهاب اعتقادا منها أن خطر الإرهاب في أوروبا يؤثر على استقرار في مصر، وأن وجوده في دولة داخل الشرق الأوسط حتى لو كانت بعيدة يوثر أيضا على أمن مصر".[6]
أوروبيا: سلطت صحيفة ذا ناشيونال البريطانية الضوء على موضوع مواجهة الإرهاب وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين في مقال يحمل اسم، عمل الإرهاب يزداد في الخفاء ويتطلب من دول أوروبا تغيير سياستها، وبحسب كاتب المقال داميان ماكلوري الخبير في الشؤون الخارجية فإن "جماعة الإخوان المسلمين تعمل في الخفاء وتدعي دور الضحية ما يجعل مكافحة التطرف وتحديدًا في دول أوروبا أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. ووفقًا للكاتب، حسب "مداد نيوز"، فإن الجماعة غيرت شكلها المعهود في جميع أنحاء دول أوروبا تمامًا كما تغير باستمرار أسماء المنظمات والهيئات التابعة لها حتى يتسنى لها العمل في الخفاء منوهًا بأنه ليس باليسير كشف أذرعها أو مواردها، ولذلك يبقى كشف أهدافها وهياكلها تحدٍ كبير على المسؤولين في أوروبا.[7]
جنوب اليمن جرح ينزف ودم مستباح لقوى الإرهاب:
كان الأمر أشد وطأة وأفضع تأثيرا في جنوب اليمن، حيث أفتى مشائخ حزب الإصلاح [إخوان اليمن] بقتل واستباحة دماء شعب الجنوب. وعلى رأس هؤلاء المشائخ عبد المجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي اللذان ارتبط اسميهما بفتوى التكفير التي استند عليها نظام صنعاء في حرب احتلال الجنوب صيف عام 1994. الفتوى التي استباحت دم الإنسان المعصوم جاءت في توظيف سياسي وزماني ما زالت ارتداداته ممتدة، على الرغم من عقود مضت وتحولات وقعت، غير أن واقع الفتوى وعمقها يعيدها ليس للحياة،فحسب، وإن مات صاحبها، فهي أكثر من مجرد فتوى عابرة، إذ مثلت رغبة سيد قطب في أفكاره التكفيرية، وجسدت لوقائع صنعت المكونات الوحشية من تنظيم «القاعدة» وحتى الذئاب المنفردة.
حتى أن «الحوثيين» برغم الخلاف العقائدي والطائفي المزعوم، وجدوا فيها شيئًا من الذرائع، وهم يعاودون غزو عدن والجنوب في العام 2015، فهي فتوى توفر الحوافز الكاملة للقتلة ليمارسوا القتل حاملين معهم صكوك دخول الجنة".
وهكذا استمر الحال خلال هذه الحرب وتحديدا منذ عام 2019م حيث كشفت القوات الموالية لـ "لشرعية" المسيطرعليها من قبل حزب الإصلاح عن أجنداتها المخفية للسيطرة على الجنوب وخاصة عاصمتها عدن مستخدمة نفس الفتاوي التكفيرية والتحريضية والتبريرية لغزواتها وقتلها للجنوبيين... ما زال الجنوبيون يتذكرون ان الإخوان اطلقوا على حربهم لاسقاط عدن ب "غزوة خيبر".
الحرب على الإرهاب:
تولى القادة الجنوبيين مهمة قيادة وحدات مكافحة الإرهاب بدءا من اللواء سالم علي قطن، مرورا باللواء محمود الصبحي، اللواء عيدروس الزبيدي، اللواء احمد سيف اليافعي، اللواء شلال علي شايع واللواء فرج سالمين البحسني والعميد ابي اليمامة والعميد عبد اللطيف السيد...الخ.
شهدت جهود مكافحة التنظيم الإرهابي دفعة قوية، بعد دخول قوات التحالف العربي إلى اليمن لقتال المتمردين الحوثيين، حيث وضعت هذه القوات من ضمن أولوياتها استهداف التنظيمات الإرهابية الأخرى وعلى رأسها تنظيم القاعدة؛ وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة دورها الأبرز والأهم في هذه المواجهة، حيث أشرفت على تدريب العديد من القوات اليمنية الجنوبية، التي تمكنت من صد هجمات تنظيم القاعدة على مدينة عَدَن بعد تحريرها وطرد العناصر المتطرفة منها.
كما تمكنت هذه القوات، بدعم الإمارات ومساندتها، من تأمين العديد من المدن والمحافظات وتحريرها من قبضة التنظيم وخطره، مثل لَحْجِ، وأبْيَن، وشبوة، وساحل حضرموت، الذي ظل خاضعًا لسيطرة إرهابي القاعدة لأكثر من عام[8].
وتمكنت هذه القوات عام 2016، بدعم ومشاركة إماراتية فاعلة، من تحرير مدينة المُكَلَّا الاستراتيجية، وساحل حضرموت بالكامل، من قبضة تنظيم القاعدة، واستمرت هذه الجهود في مطاردة عناصر القاعدة بعد ذلك حتى تحرير معظم الأراضي الخاضعة لهم.
ولاقت هذه الجهود الإماراتية ترحيبًا كبيرًا من أبناء اليمن، ولا سيما الجنوبيين الذين اعتبروها فرصة لتخليص محافظاتهم من قبضة هذا التنظيم الإرهابي. كما لاقت ترحيبا دوليًا، وعززت موقع الإمارات والقوات الجنوبية ودورها كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا.
وانعكست هذه الجهود الإقليمية والدولية في مجال مكافحة تنظيم القاعدة في اليمن بصورة واضحة في تراجع التنظيم بصورة كبيرة في السنوات التالية ووفقًا لبعض الإحصائيات انخفض نشاط تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” وتراجعت عملياته بشكل مطرد من 145 عملية في النصف الأول من عام 2017 إلى 128 عملية خلال النصف الثاني من العام نفسه، ثم إلى 62 عملية فقط في النصف الأول من عام 2018[9].
دفع الجيش الجنوبي ثمنا باهضا لمواجهة الجماعات الإرهابية التي استهدفت كوكبة من خيرة القادة الجنوبيين.
الخلاصة والتوصيات:
القضاء على الإرهاب يتطلب توافر بعض الشروط والمتطلبات الضرورية، لعل أهمها:
- وضع حد للصراع العسكري الدائر في اليمن، والذي يستفيد منه التنظيم في تكثيف تواجده وتمدده في الأراضي اليمنية.
- مواصلة الجهود الإقليمية والدولية التي بذلت في السنوات الأخيرة لمواجهة التنظيم بذات الزخم والقوة، ولا سيما من قبل قوات التحالف العربي ومصر والولايات المتحدة والقوات الجنوبية، والبناء على ما تحقق من نجاحات كبيرة في هذا الصدد؛ لأن تراجع جهود مكافحة التنظيم ستعطيه الفرصة لإعادة بناء نفسه وقدراته من جديد، وهو ما سيشكل خطرًا على المنطقة والعالم.
المراجع:
1- ويكيديا،الموسوعة الحرة
2- ويكيديا،الموسوعة الحرة، مرجع سابق
3- محمود العمري، اليوم السابع، 15 أغسطس 2021
4- المصري اليوم ،1/11/2021م
5- الخليج 7/1/2018م
6- ميرنا رزق، صدى البلد، 7/6/2022م
7- كتاب "جماعة الإخوان المسلمين.. ظروف النشأة والتأسيس "17 مايو 2020
8- هاني سالم مسهور، ” الإمارات ومكافحة الإرهاب.. اليمن نموذجًا”، صحيفة البيان، دبي، 24 يناير 2019.
9- lisabeth Kendall، op. cit. p.9