قراءة في زيارة بوتين الخامسة إلى طهران
هل كانت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران يوم 19 يوليو 2022م ليلتقي بالرئيسين التركي والإيراني، فيبحثون عملية السلام السورية فقط كما أعلن عن ذلك؟
هل كانت هذه الزيارة كما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي في بأنها "تظهر مدى عزلة بوتين وروسيا، مما اضطره إلى التوجه لإيران، وأن صناعة الدفاع الروسية تواجه صعوبات، وأنها غير قادرة على تلبية احتياجات الحرب في أوكرانيا، وأن هذه الرحلة هي علامة على أن فلاديمير بوتين ليس لديه نية لإنهاء الحرب في أوكرانيا" [1].
فيما يخص سوريا، فإن قادة الدول الثلاث مهتمون فعلًا بقضية سوريا...لكنهم أيضًا أجروا مشاورات حول رغبات ومخاوف مشتركة في مجالات مختلفة بما في ذلك الاقتصاد وأمن الطاقة والغذاء.
جبهة قوية ضد استمرار التهديدات والعقوبات الغربية:
وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إرنا اعتبرت "الزيارة الخامسة التي قام بها بوتين لطهران ترسم معالم جبهة قوية ضد استمرار التهديدات والعقوبات الغربية"[2].
اختيار طهران كوجهة ثانية للرئيس الروسي بعد اندلاع المواجهة العسكرية في أوكرانيا، يحمل رسالة مهمة للغرب، أنها زيارة في إطار ترسيخ العلاقات بين موسكو وطهران والتوازن الجديد للقوى في الشرق.
الالتفاف على العقوبات الغربية:
روسيا كقوة عالمية، تعرف الموقع الاستراتيجي لإيران في الشرق الأوسط، وقد أظهرت السياسة الدولية بشكل لا يمكن إنكاره أنه لا يمكن حل الكثير من المشكلات الإقليمية دون مشاركة إيران، القرب الجغرافي وتوسع التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين طهران وموسكو من جانب، والضغوط والعقوبات التي تواجهها روسيا وإيران من جهة أخرى، أدت إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
رسائل سياسية روسية ايرانية:
كتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في افتتاحية صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة "أن طهران أنها تحولت إلى عاصمة الدبلوماسية الفعالة في المنطقة وأن واحدًا من أهداف الحكومة هو تعزيز السياسة الخارجية بأولوية إقامة العلاقات مع الجيران وتنشيط أكثر للدور البناء الإيراني في المنطقة"[3].
القمة جاءت بعد جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة. هدف بوتين من اللقاء مع القيادة التركية والإيرانية في طهران، تعزيز أدوات الضغط الروسية في الشرق الأوسط واستعراض روسي بأن الحرب الأوكرانية لم تزعزع موقع موسكو في المشهد العالمي.
العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وطهران هي نتيجة تفاهم مشترك بين بوتين والمرشد الإيراني آية الله خامنئي حول ضرورة مواجهة المحاولات الغربية لفرض نظام إقليمي لصالح الغرب، وتجسد هذا التفاهم أولًا في تعاونهما العسكري في سوريا.
تعاون اقتصادي غير مسبوق:
بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لروسيا في يناير، بدأت طهران وموسكو تعاونًا اقتصاديًا مكثفًا. زادت الحرب الأوكرانية والعقوبات التي أعقبتها على روسيا من أهمية طهران لموسكو، التي فتحت بثبات أبواب القطاع الاقتصادي الروسي أمام الدولة الإيرانية الخاضعة للعقوبات.
في خطوة مهمة، وافقت روسيا مؤخرًا على نقل 10 ملايين طن من البضائع عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، الذي يربط مومباي بموسكو عبر إيران وأذربيجان، ويمكن أن يكون مصدرًا كبيرًا لإيرادات إيران.
كما تريد روسيا استئناف عقود تطوير صناعة النفط والغاز الإيرانية، المعلقة وسط العقوبات الأميركية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وبيع أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة متطورة لإيران.
في لقاءات مع القيادة الإيرانية، إضافة إلى مناقشة مواقفهم المتقاربة بشأن الاقتصاد العالمي والحرب في أوكرانيا والاتفاق النووي، تحدث بوتين عن "وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التجارة الحرة بين إيران وروسيا مدة 20 عامًا، إلى جانب عقد اتفاقية بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، واستكمال انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون"[4].
بعد يوم واحد من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمرشد الإيراني على خامنئي أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، على صالح آبادي، الأربعاء 20/7/2022، ب "أن روسيا وإيران بدأت التعاملات بالعملات الوطنية للبلدين"[5]
تعاون عسكري روسي إيراني:
تحتاج إيران إلى دعم روسيا الدبلوماسي والعسكري في مواجهة التهديدات الناشئة، للحفاظ على مستوى موثوق به من الردع ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وفي مواجهة المبادرات الجماعية مثل "تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط" والتهديدات الإسرائيلية، تأمل إيران في تلقي أسلحة روسية متطورة، بما في ذلك الرادارات والمقاتلات.
من هذا المنظور، على موسكو تزويد طهران بالأسلحة المطلوبة مقابل مساعدة إيران في الاحتفاظ بالقواعد الروسية في سوريا وإدارتها (حيث غادرت القوات الروسية للقتال في أوكرانيا)، أو لتعزيز القوة القتالية الجوية التكتيكية للقوات الروسية بطائرات دون طيار من صنع إيران.
تحول سياسي ودبلوماسي:
تتجه حكومة رئيسي في سياستها الخارجية استراتيجيًا إلى تطوير العلاقات مع روسيا والصين والدول المجاورة.
كما أن وجود بوتين في إيران عزز بشكل كبير موقف المحافظين ضد المعتدلين، الذين انتقدوا على نطاق واسع زيارة رئيسي لروسيا في وقت سابق من هذا العام.
هذا جزء من نفس الرسالة التي أراد بوتين نقلها. من خلال زيارته لإيران، يريد أن يُظهر أنه لا يزال قائدًا قويًا لن يسمح للأوامر الإقليمية - من أوروبا الشرقية، إلى جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط - بالتغير دون تأمين دور روسيا ومصالحها.
المراجع:
1- قناة العربية، نقلا عن اذاعة "فردا" 20/7/2022م
2- صحيفة الشرق الأوسط، 19/7/2022م
3- صحيفة "ايران" الحكومية 19/7/2022م
4- إيلاف 19/7/2022م
5- موقع "تحيا مصر" 20/7/2022م