نشاط متواصل: جغرافيا وقيادة تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه
قتل أيمن الظواهري في غارة أميركية نُفذت أوائل أغسطس 2022م في أفغانستان، في أكبر ضربة للتنظيم الإرهابي منذ مقتل مؤسسه أسامة بن لادن في عام 2011. ولذلك وجب البحث في الإجابة عن تساؤل مفاده: “ما مستقبل تنظيم القاعدة بعد رحيل زعيمه أيمن الظواهري، خاصة فيما يتعلق ببؤر انتشاره الجغرافية وكيفية إدارته للعمليات وتوسعه؟”.
بالنظر إلى تجربة القاعدة فإن مقتل الظواهري لن يؤثر على خطط أو نشاطات التنظيم في المستقبل، إذ أن (القاعدة) يعتمد على نمط لا مركزي في العمل، والأذرع لها استراتيجياتها الخاصة.
وقال أحمد سلطان، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية في الشرق الأوسط إن «مقتل الظواهري هزيمة أو نكسة معنوية لـ(القاعدة)، لكنه لن يؤثر على خطط أو نشاطات التنظيم في المستقبل، وذلك لأن الظواهري لم يكن على تواصل مع قيادات (القاعدة) أو نشاطاتها اليومية، والدليل على ذلك المراسلات الخاصة من (القاعدة) لأفرعها الخارجية».
وأضاف أن «هناك رسالة لعبد الرحيم عطوان، المسؤول الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، وذكر فيها صراحة أن الظواهري ابتعد عن التواصل لمدة أكثر من عام بحجة الدواعي الأمنية، وتقوم قيادات (القاعدة) في إيران خاصة سيف العدل بالتواصل مع الفروع الخارجية، وكان ذلك واضحا جدًا عندما حصل انشقاق هيكلي في فرع (القاعدة اليمنية) حيث انشق أبو عمر النهدي ومجموعته وأرسل رسالة إلى أيمن الظواهر يطلب تدخله لحل الخلاف مع خالد باطرفي أمير (قاعدة اليمن) لكن الظواهري وبرغم مرور أكثر من عامين على الرسالة لم يرد عليها».
سلطان يقدر كذلك أنه «كان يتم التحكم فيما يصل إلى الظواهري من قبل قيادات القاعدة في إيران، ويلاحظ ذلك في الإصدارات المرئية له وآخرها في شهر يوليو الماضي، حيث بدا منفصلًا عن الواقع تمامًا، ولم يعلق على أي أحداث جديدة ولم يعط أي توجيهات، وكان يبدو أنه في شبه عزلة أثناء إقامته في كابول أو خارجها، وكان منشغلًا بالتنظير، وكانت تنظيراته ضعيفة». وظهر الظواهري في تسجيل صوتي منتصف يوليو (تموز) الماضي بثته مؤسسة «السحاب»، وهي الذراع الإعلامية لـ«القاعدة».
فيما تعثر فرع اليمن، ويبدو فرع شبه الجزيرة الهندية منذ عام 2019 في حالة موت إكلينيكي ولا يستطيع أن يقوم بالهجمات البسيطة. أما في سوريا فإن تنظيم «حراس الدين» ينخرط الآن مع «هيئة تحرير الشام» التي كانت فرعًا لـ(القاعدة). في حين يعتبر فرعها في مالي أو الصحراء (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) الأنشط، وهو مرتبط بما يسمى بـ(قاعدة المغرب الإسلامي)». ولفت سلطان إلى أن «هناك إشارة مهمة وهي أن قيادة التنظيم المركزي في خراسان طلبت من عناصر وكوارد (القاعدة في سوريا) أن ينتقلوا إلى أفغانستان، وهذه معلومة جرى التأكيد عليها في تقرير مجلس الأمن الأخير الشهر الماضي.
(القاعدة) صارت اسما عاما للتنظيم الذي يعتمد على اللامركزية، بخاصة فرع مالي وحركة (الشباب)».
من جهته، أكد سلطان أن «إعلام (القاعدة) يراهن على الذئاب المنفردة أو الجهاديين المحليين، وعرض مكافأة مالية لأي شخص ينفذ أي هجوم ولو حتى بأي سلاح متاح؛ ورغم ذلك لم يلق هذا العرض الاستجابة، وهذا يكشف عن حجم الأزمة في التنظيم الذي يحاول إعادة بناء شبكاته لكي يستطيع شن هجمات مستقبلا». لكن تقرير مجلس الأمن الأخير أشار إلى أن «التنظيم غير قادر على شن هجمات». وبشأن وجود جيوب لـ«القاعدة» في أفغانستان. قال سلطان إن «(تنظيم القاعدة) عنده وجود تاريخي في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية وتحديدًا في مناطق زابل وولاية كونر في الجنوب، وأخيرًا بدأ يحاول نقل عناصره إلى غرب أفغانستان على الحدود مع إيران وتحديدا إلى ولايتي هيراط وفراه، وهناك حديث عن وجود نشاط لبعض كوادره مثل أبو إخلاص المصري وكان قائدا للتنظيم في كونر، وعبد الحكيم المصري الموجود في كونر»، مضيفا «نحن أمام وجود حقيقي لـ(القاعدة) في أفغانستان بالتنسيق مع شبكة حقاني»؛ لكن «ليس كل (طالبان) ترحب بهذه العلاقة، فـ(طالبان) ما زالت ترفض أن ينتقل سيف العدل إلى أفغانستان بعد مقتل الظواهري خوفا على مصالحها وإثارة المجتمع الدولي.
أزمة الزعامة
بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يرى محللون أن التنظيم الجهادي سيدخل فترة حرجة لاختيار خلف له دون أن يؤثر ذلك على قدرات الجماعات التابعة له.
وكان للظواهري الذي خلف عام 2011 أسامة بن لادن الذي قُتل بضربة أمريكية في باكستان، دورا محوريا في آلية جعل التنظيم لامركزيا ما سمح للقاعدة بتجاوز المحن، وفق ما شرح مدير منظمة "Counter-Extremism Project" غير الحكومية هانس-جاكوب شندلر وهو خبير أممي سابق في شؤون الإرهاب، لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويضيف شندلر أن الظواهري "أدخل إلى الشبكة جهات فاعلة جديدة مهمة مثل حركة الشباب التي تسيطر حاليا على 30 في المئة من مساحة الصومال وأشرفت عام 2017 على تدريب جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التحالف الجديد التابع للقاعدة في غرب إفريقيا".
خلفاء محتملون
من بين الخلفاء المحتملين، يعدد الخبراء بشكل أساسي مصريَين هما سيف العدل الذي كان ضابطا في القوات الخاصة المصرية وهو شخصية من الحرس القديم في القاعدة ويُقال إنه متواجد في إيران، وأبو عبد الكريم المصري وهو قائد في تنظيم حراس الدين في سوريا.
ارتياح أكبر
يوضح مركز صوفان وهو مركز أبحاث أمريكي مستقل متخصص، في مذكرة نُشرت الثلاثاء أنه "رغم أن عدد عناصر القاعدة تراجع على مر السنوات، بما في ذلك من خلال طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" عددا من أفراده في مواقع مختلفة حيث كان التنظيمان ينشطان، إلا أن الظواهري واصل المسار".
ويعتبر المركز أن "خيار الزعيم الجديد سيكشف الكثير عن الخطط المستقبلية للقاعدة" مشيرا إلى أن "القضاء أو إلقاء القبض في السنوات الأخيرة على مجموعة كبيرة من القادة في الحرس القديم يترك هامشا ضيقا أكثر فأكثر للخلفاء المحتملين".
وتشير المذكرة إلى أن التواطؤ المفترض لسيف العدل مع إيران حيث يُقال إنه أمضى الفترة الأكبر من السنوات العشرين الماضية، قد يفقده دعم الجيل الجديد في القاعدة والأعضاء الأكثر عداء حيال الشيعة في التنظيم، لصالح قادة جهاديين موجودين في سوريا على غرار أبي عبد الكريم المصري.
ويشرح مركز صوفان أن مقتل الظواهري في كابول يثير الشكوك بشأن الضمانات التي قدمتها حركة طالبان للولايات المتحدة عام 2020 بعدم التسامح مع إيواء قادة القاعدة في أفغانستان. ويضيف المركز أن مقتل الظواهري يوحي بأن الأخير "كان يشعر بارتياح أكبر للتنقل منذ الانسحاب الأمريكي (من أفغانستان) قبل عام".
حماية طالبان
بعد صمت إعلامي طويل في عامي 2019 و2020 أثار تكهنات حول وضعه الصحي وحتى وفاته، عاد الظواهري لينشر مقاطع فيديو في أيلول/سبتمبر 2021، ثم في تشرين الثاني/نوفمبر وفي شباط/فبراير الماضي ونيسان/أبريل، وفق هانس-جاكوب شندلر.
ويرى أن مكان قتله "يؤكد مرة جديدة وأخيرة أن طالبان مستعدة، كما كانت في التسعينيات، لإيواء وحماية القاعدة".
المراجع:
1- صحيفة الشرق الأوسط 3/8/2022م
2- فرانس 24، 4/8/2022م
3- اليوم السابع 6/8/2022م