التحولات الجيوسياسية في المنطقة في ضوء القمة التركية الروسية الإيرانية
مهدت القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية التي انعقدت في طهران ١٩ يوليو ٢٠٢٢م الأرضية لطرح العديد من الأسئلة أهمها: هل نحن أمام تحالف جيوسياسي جديد؟ من الذي في عزلة حقًا هل هي إيران وروسيا أم الولايات المتحدة والغرب؟
اللقاءات المشتركة ونجاح القمة بشكل عام فتح الباب أمام تحولات تاريخية في العلاقات والتحالفات، كل ذلك بناء على ما يسمى في العلوم السياسية بـ”الواقعية السياسية”. فتركيا التي ترددت في الدخول إلى هذا الحلف أصبحت اليوم على قناعة تامة بأنّ الولايات المتحدة لم تعد حليفًا استراتيجيًا لتركيا بل على العكس أصبحت الولايات المتحدة عائقًا للتنمية في تركيا.
ترميم العلاقات التركية العربية
ولهذا توجهت تركيا بترميم علاقاتها مع المحيط العربي وخاصة السعودي المصري، وهو ما جعل تركيا تحث إيران على تمديد عقد الغاز لمدة 25 عامًا بين البلدين، فيما فتحت هذه القمة الثلاثية الباب أمام توافقات استراتيجية طويلة الأمد بين كل من روسيا وإيران وتركيا.
فمرة أخرى صرحت تركيا بأنها تسعى لرفع مستوى التبادل التجاري مع إيران لثلاثين مليار دولار سنويًا، كما وقعت روسيا وإيران اتفاقيات لتطوير حقول النفط والغاز بلغت قيمتها أكثر من 40 مليار دولار. وهذا بالمحصلة يعني بأنّ كل من إيران وروسيا تتجهان نحو تحالف استراتيجي مستدام لعرقلة العقوبات الأمريكية.
من الأهمية بمكان هنا أن نشير إلى أن مثل هذه المشاريع تعني إزاحة الشركات الغربية من سوق الاستثمار في أسواق الطاقة العالمية. بعبارة أخرى تبحث كل من طهران وموسكو عن الاكتفاء الذاتي في مجال تطوير حقول الغاز والنفط وهذا ما يمكن اعتباره مرحلة متقدمة من معاقبة أوروبا على سياسة التبعية العمياء للولايات المتحدة. لقد أثبت الأزمة الأوكرانية بأنّ الغرب أصبح ضعيفًا وهشًا وغير قادر على تحديد مصالحه القومية أو المصالح بعيدة المدى. وها هم اليوم نادمون على الانخراط في تأجيج الأزمة في أوكرانيا، كل هذا موسم الشتاء القارس لم يدخل بعد.
الموقف الإسرائيلي
كان الإسرائيليون أكثر الناس إدراكًا لنجاح هذه القمة، خصوصًا بأن الصحافة الإسرائيلية ركزت بشكل أساسي على المخرجات الأمنية والدفاعية التي خرجت بها هذه القمة إذ أبدت هذه الصحف تخوفها من توصل كل من روسيا وإيران إلى توافقات أمنية لنقل عدد هائل من الطائرات المسيّرة الإيرانية إلى روسيا للاستفادة من هذه التكنولوجيا الإيرانية المتطورة في الحرب الأوكرانية، وهو ما حصل بعد ذلك فعلا.
تجربة الطائرات الإيرانية المسيرة الفتاكة في الحرب الأوكرانية يعني تجهيزها للدخول في المجالات الحربية الهجومية وهذا ما اثار قلق إسرائيل.
تتحدث التقارير الإسرائيلية بهذا الخصوص عن امتلاك إيران 40 ألف طائرة مسيّرة كما أن إسرائيل أصبحت متأكدة من أن هذه الطائرات وتكنولوجيا صناعتها قد وصلت إلى حزب الله وحركة حماس.
الخلاصة
أمام هذه التحولات التحالفية الجيوسياسية حاولت الولايات المتحدة التحرك المضاد سواء كان خلال قمة مكة للأمن والتنمية أو القمة الأمريكية الإفريقية أو التحركات باتجاه أوروبا وزيادة الدعم العسكري النوعي لأوكرانيا...لكن كل هذه التحركات لم تؤت ثمارها...وتحقق نفس النجاحات التي أحرزها المحور الشرقي وآخرها القمة الصينية السعودية والصينية العربية التي أنبأت بدخول الصين مرحلة الدولة العظمى وبقول وثقة غير مسبوقة.