الأرجنتين تفوز بكأس العالم.. فوائد متعددة تدفع عجلة الاقتصاد المتهاوي
للمرة الثالثة، تتمكن الأرجنتين من صناعة التاريخ وتخليد اسمها في مسابقة كأس العالم لكرة القدم، مع حصدها لقب كأس العالم 2022 في قطر.
إنجاز لن تقف تبعاته وآثاره الإيجابية بالتأكيد عند المشهد الرياضي في الأرجنتين، ففوائده النوعية التنافسية والمتعددة ستتدفق في الاقتصاد، وتشير تقارير الوكالات العالمية إلى أن اقتصاد البلد الفائز ببطولة كأس العام 2022 سيُسجل نموًا يفوق التوقعات، وذلك في الوقت الذي يعاني فيه العالم بأكمله من متاعب اقتصادية كبيرة بسبب أزمة التضخم وارتفاع الأسعار.
أرقام قياسية.. وجائزة الـ42 مليون دولار
إنجاز الأرقام القياسية المتعددة، فالكأس التي حققتها الأرجنتين بتغلبها على فرنسا في المباراة النهائية التي استضافها ملعب استاد لوسيل الواقع شمال العاصمة القطرية، الدوحة، هي الثالثة بتاريخ المنتخب اللاتيني، ليصبح من بين الأكثر حصدًا للقب المونديال ليقترب بذلك من المنتخب الألماني (4 مرات)، والمنتخب البرازيلي (5 مرات).
لقب ثمين، مكَّن الأرجنتين من حصد جائزة مالية ضخمة من صندوق جوائز الفيفا البالغ 440 مليون دولار تصل إلى 42 مليون دولار أمريكي، وهو رقم أعلى بما يقارب 4 ملايين دولار من المبلغ الذي حصلت عليه فرنسا في المونديال الروسي. وبجانب هذه الجائزة المادية، ستحصل الأرجنتين على كأس من الذهب، وسيُسجل اسمه كفائز بالمونديال.
فيما ستحصل فرنسا، صاحبة المركز الثاني بكأس العالم 2022 على 30 مليون دولار وهو رقم أعلى بمليوني دولار من المبلغ الذي حصلت عليه كرواتيا في مونديال روسيا.
وفي حال كانت هي من حسمت اللقب لصالحها، كان اللاعب الفرنسي كيليان مبابي سيحصل على مكافأة قدرها 554 ألف يورو (586 ألف دولار) من قبل الاتحاد الفرنسي لكرة القدم؛ حسب صحيفة "ليكيب" اليومية الرياضية الفرنسية.
ولا تذهب كل الأموال إلى اللاعبين، لكن من المتوقع أن يحصلوا على جزء كبير منها.
وقبل النسخة الـ22 من بطولة كأس العالم لكرة القدم والتي استضافتها قطر خلال الفترة من 20 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر 2022، كان المنتخب الأرجنتيني قد حقق لقب كأس العالم مرتين، الأولى كانت في عام 1978 بالنسخة التي احتضنتها، والثانية بقيادة دييجو آرماندو مارادونا في عام 1986 بالمكسيك.
فوز الأرجنتين بكأس العالم 2022.. والفوائد الاقتصادية الكبيرة
تقرير نشرته وكالة "بلومبرج" للأنباء في 16 ديسمبر الجاري، قال إن الأرجنتين ستجني فوائد اقتصادية كبيرة حال فوزها على فرنسا، وهي فوائد تتفوق على تلك التي يمكن أن تحصدها فرنسا لو فازت بكأس العالم.
ونقلت الوكالة عن ورقة بحثية حديثة كتبها الخبير الاقتصادي في جامعة "سيري" في بريطانيا ماركو ميلو أن بطل العالم لكرة القدم يتمتع غالبًا بنسبة 0.25 نقطة مئوية إضافية من النمو الاقتصادي في الربعين التاليين للبطولة.
وقال ميلو إن هذا يرجع بشكل أساسي إلى زيادة الصادرات لأن الفائز يتمتع بأضواء دولية أكبر، وأظهر البحث قفزة كبيرة في مبيعات البرازيل الخارجية بعد فوزها بكأس العالم عام 2002، على سبيل المثال.
وبحسب "بلومبرج" تتمتع الأرجنتين بواقع اقتصادي أفضل من فرنسا يجعلها أكثر قابلية وقدرة على جني الفوائد وتعزيز الصادرات مع فوزها بالبطولة، ما يعني أن اقتصادها الكلي سوف ينتعش بأكثر من التوقعات من خلال حصولها على كأس العالم.
ويقول ميلو، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة "سيري" البريطانية: "إذا كان هناك أحد البلدين قد يستفيد، على غرار البرازيل، فهذه هي الأرجنتين وليست فرنسا".
آمال الهبوط بالتضخم الأرجنتيني من مستويات الـ100%
ويقول التقرير إن الخلفية الاقتصادية ليست مشجعة لأي من المتأهلين للتصفيات النهائية، حيث تعاني فرنسا من أزمة طاقة وموجة من الإضرابات، فيما يقترب معدل التضخم في الأرجنتين من 100%، وتعاني من جفاف يهدد بخفض صادرات المحاصيل العام المقبل.
ومن المتوقع أن يصل التضخم السنوي إلى 99% خلال الشهر الجاري، ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع بثلاثة أرقام قريبًا.
وعندما قاد دييجو مارادونا المنتخب الأبيض إلى الفوز بلقب بطولة عام 1986، كان متوسط التضخم 116% في ذلك العام. وفي 1978، عندما فازت الأرجنتين بالبطولة التي أُقيمت على أرضها، كان المعدل 176%، وفقًا لبيانات واستطلاعات البنك المركزي.
ويُعدّ التضخم المرتفع سمة ثابتة في تاريخ الأرجنتين، وليس مؤشرًا على نجاح البلاد في كأس العالم. فقد خسر الفريق نهائي البطولة في عام 1990 مع تضخم مفرط بلغ نحو 2000% في ذلك الوقت، وعندما خسر نهائي عام 2014، كان معدل التضخم الرسمي 22% فقط، لكن الشكوك كانت تحوم حول تلاعب الحكومة بالبيانات.
ويتوقع البنك المركزي الأرجنتيني استمرار سعر الفائدة الرئيسية عند مستوى 75% حتى أوائل عام 2023 على الأقل.
وفي نوفمبر 2022 تسارع التضخم السنوي في الأرجنتين بأقل من المتوقع بينما انتعش النمو الاقتصادي على أساس ربع سنوي قبل أن تجدد الحكومة ضوابط الأسعار.
وقد ارتفعت الأسعار بنسبة 92.4% في نوفمبر 2022 عن العام الماضي، وهو أعلى معدل في 30 عامًا على الرغم من أنه أقل من متوسط التقدير البالغ 94.2% في مسح بلومبرج، وفقًا لبيانات حكومية نُشرت الخميس 15 ديسمبر 2022، فيما هدأ التضخم الشهري إلى 4.9%، وهو أدنى مستوى منذ فبراير الماضي وأقل بكثير من متوسط توقعات المحللين البالغة 5.9%.
وأشارت بلومبرج إلى أن استراتيجية الأرجنتين لكبح جماح أحد أعلى معدلات التضخم في العالم جمعت بين الإجراءات التقليدية المتشددة والإجراءات غير المتشددة، بما في ذلك فرض برامج لتثبيت الأسعار، في حين رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسية في سبتمبر الماضي إلى 75%.
ومنذ ذلك الوقت أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير، رغم استمرار ارتفاع معدل التضخم، وتوقع وصوله إلى 100% سنويا بنهاية العام الحالي.
ويرى البنك المركزي أن سعر الفائدة 75% يمثل نقطة ارتكاز تواصل جذب اهتمام المستثمرين سواء من الأرجنتينيين العاديين الذين يضعون أموالهم في ودائع أو البنوك التي تشتري أوراق الدين الرئيسية للبنك المركزي المعروفة باسم ليليكس.
توسع النمو الاقتصادي في 2022.. وتباطؤ المسار في 2023
فيما يتوقع المحللون أن يتوسع الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة 5.3% في عام 2022 مع تباطؤ النمو إلى أقل من 1% العام المقبل وسط دورة الانتخابات الرئاسية وجفاف المحاصيل، وفقًا لأحدث مسح للبنك المركزي.
ووفقًا للتوقعات، فإن نمو الاقتصاد بداخل الأرجنتين في 2023 سيتباطأ إلى نحو 4% فقط، كما أن الأرجنتين قلصت 60% من أعباء الديون في يونيو الماضي.
وبشكل عام، فإن تتويج الأرجنتين بكأس العالم 2022، لن يحل الأزمة الاقتصادية، لكن قد يكون نقطة مضيئة وسط الضباب الاقتصادي الحالي.
الاقتصاد الفرنسي
يتوقع أن يشهد الاقتصاد الفرنسي تباطؤا كبيرا خلال العام 2023 متأثرا بأزمتي الطاقة والتضخم.
ووفقا للمركزي الفرنسي فإن نمو الناتج المحلي سيتراجع من 2.6% في العام الحالي إلى 0.3% في العام المقبل، بأقل من توقعات الحكومة التي أشارت إلى نمو بنسبة 1% في 2023.
وتوقع المركزي عودة الانتعاش التدريجي للاقتصاد في 2024 و2025 بنسبة 1.2% و1.8% على التوالي.