مفهوم الإستقامة
انظروا أعزكم الله وأيدكم لمن يمشي علي حبل رقيق في سيرك، يوظف كل قواه العقلية والذهنية والعضلية والعصبية حتي يصل إلي نهاية هذا الحبل المستقيم، هكذا الإنسان في حياته التي هي بمثابة سيرك كبير يسير فيه هذا الإنسان، يلتقي الطيب والخبيث، الحسن والقبيح، الخير والشرير، الصالح والطالح، فكيف سيتعامل وسط هذا الخضم الهائل من المتناقضات، عن طريق الجهاد، جهاد النفس الجهاد الأكبر، ولا يكون ذلك إلا بالاستقامة، فإذا ما وصل واستقام سيره، فليتحول من جهاد إلي اجتهاد في كيفية المحافظة علي ما واصل إليه، متمثلا قول الله تعالي (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)
أنظروا إلى روح هذه الآية التي أبكت النبي وجعلته يقول شيبتني هود وأخواتها، الإستقامة والمحافظة عليها بعدم الطغيان والظلم والجور، لماذا لأن الناقد بصير سبحانه وتعالي. فالاستقامة أمر رباني، لأنه إذا ما استقام الإنسان هيئ الله له كل سبل النجاح والفلاح.
الإستقامة طريق النجاح والفلاح، ويقال استقام عود الزرع،أي انتصبت قامته واشتد ساقه، أي أصبح مستو، فالاستواء طريق مستقيم.
جلس النبي بين أصحابه وخط خطا مستقيما علي الأرض، وخطوط كثيرة بجانبه وأشار بعصاه إلي الخط المستقيم قائلًا لصحابته وهذا صراط ربك مستقيما فأتبعوه.
إذن من أراد أن يهيئ له الله تعالي أسباب التوفيق والهداية والرشاد وييسر له سبل النجاح فعليه بالطريق المستقيم فالخط المستقيم أقرب الطرق بين طرفين طرف (1)، طرف (2).
هكذا حياة الإنسان إذا أراد أن يحياها في طاعة الله سيسلك الطرق المستقيمة لا يحيد ولا يميد عنها، بل يكون لسان صدق ولسان عدل ولا يقول ولا يفعل إلا ما يرضي الله تعالي تلك هي الإستقامة التي أمرنا الله تعالى بها في خطاب يحمل خصوصية للنبي صلي الله عليه وسلم إلا أنها خصوصية شمولية للجميع فالخطاب هنا شمولي للجميع.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه كيف يمكن تحقيق هذه الإستقامة؟!!
الإجابة الشافية العافية التي لا عوج فيها ولا أمتا، تقوي الله تعالي، مراقبة الله تعالي في كل شيئ في الحركات، السكنات، في ظاهرنا،في باطننا نجعل الله أمامنا ونضعه نصب أعيننا.
ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب:تقوي الله حصن حصين وركن ركين لمن اراد ان يستقيم.
"صلاحنا وفلاحنا ونجاتنا في تقوي الله واستقامتنا"
"التقوي تنفع الذرية"
"وليخش الذين لوتركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا"
فالقول السديد،القول الفصل،القول الحق،القول الرشيد،يصلح الذرية.
"واتقوا الله لعلكم تفلحون"
"فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وأنفقوا خيرا لانفسكم"
فاتقوا الله في أولادكم ما استطعتم وهذبوهم وعلموهم وربوهم تربية صالحة،حتي لا يحاجوكم أمام الله يوم القيامة.
وحتي يدعوا لكم بالرحمة بدلا من أن يصبوا عليكم اللعنات صبا.
فالتنشئة الصالحة تربي مجتمع بأسره،لا تربي أمة بأسرها تستطيع أن تنتصر لنفسها ولدينها ولمعتقداتها وتصون حرثها وتحفظ نسلها من المتربصين الحاقدين الحانقين الحاسدين الذين لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة.
لا تتركوا أولادكم هملا تتخبطهم شياطين الإنس قبل الجن،والحجة الانشغال في توفير لقمة العيش.
نربي العقول قبل أن نربي الأجساد فالجسد يقومه ويشده القليل،أما العقول فتربيتها تحتاج جهدا كبيرا،وتهذيب الأخلاق يحتاج إلي معاناة، أن تبني إنسان خير من أن تبني بنيان،والانسان فكر وخلق وتهذيب نفس.
وهذا ما تحتاجه الأمة الآن التي هي أشبه ما تكون بالجسد العليل السقيم ليس سقيما ماديا وأنما فقير عقليا يحتاج إلي الكثير من العرق الفكري لا العضلي.
وهذه هي روح وديناميكة الاستقامة
أستحلفكم بالله لا تقصروا في هذه الامور.
لأن صلاح الأمة بصلاح بنيانها،وبنيانها شبابها الذين هم عصب الامة.
ولن يستقيم عود وبه أعوجاج، ومن ثم ضرورة ملحة، الاستقامة حتي لا يحدث اعوجاج ونندم وقت لا ينفع الندم..
فكيف يستقيم الظل والعود أعوج.