الحوثيون اعتمدوا على إطالة أمد التفاوض لتحقيق مكاسب عسكرية
تزداد يومًا بعد يوم الحيرة حول الموقف السياسي من مسألة المفاوضات التي يدخل فيها المبعوثين الأمريكيين والأممين مع الحوثيين من وقت لآخر، فيما لم تسفر تلك المحادثات والمفاوضات عن جديد يذكر أو قديم يعاد، في ظل استمرار الحوثيين في تحقيق مكاسب في مناطق الشمال، وفي ظل رغبة أهالي الجنوب في طرح قضيتهم العادلة أمام المجتمع الدولي.
وبقراءة سريعة لمواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بشأن الحرب في اليمن، يمكن استنتاج عدة رؤى تكشف طبيعة الأزمة وطبيعة ما يعتمد عليه الحوثيين من أفكار تدعم ما يهدون له في ظل استمرار الصراع في اليمن، وتتمثلت تلك الرؤى فيما يلي:
1- عدم ثقة الأطراف المناهضة للحوثيين وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي في الوصول إلى سلام دائم وشامل وعادل مع الحوثيين من خلال الحوار السلمي؛ لأن تجارب الحوار معهم مريرة، ونقض العهود والاتفاقات سمة متأصلة في سلوك حكام صنعاء.
2- كل مشاريع الحلول حتى الآن مبنية على مرجعيات جامدة عفى عليها الزمن وغير واقعية ومنطقية ولا تلامس أُس المشكلة وجوهرها المتمثل بالصراع بين الشمال والجنوب حول الوحدة اليمنية، حيث يصر الشمال على استمرارها ولو بالحرب، بينما يصر الجنوب على فك ارتباطه بهذه الوحدة.
3- سعي الحوثيين لسلام من خلاله يتم تثبيت سلطتهم، وذلك بالتركيز على تحقيق مطالبهم بفتح الموانئ والمطارات، وهو ما يعني اعترافًا رسميًا بهم كسلطة أمر واقع، وصرف المرتبات من عائدات وثروات الجنوب. وهنا إذا تم صرف المرتبات وفق كشوفات مرتبات 2014، فإن آلية الصرف لا بد أن تكون عبر البنوك دون أن يكون لمليشيا الحوثيين أي صلة بعملية الصرف، وإلا فستكون العملية توثيقًا لسلطة الحوثيين على الشمال.
4- وجود حسابات ومصالح مختلفة للأطراف الدولية، وذلك سواءً الأمم المتحدة التي تعمل في إطار بيئة دولية تتحكم فيها قوى بعينها، أو الدول الكبرى التي ترتبط بمصالح ربما تتعارض مع الدول الإقليمية، وبالتالي لا تمارس الضغوط ولا تستخدم أدوات فعالة لإجبار الحوثيين على الانصياع لسلام مُستدام، وحل عادل.
خلاصة القول فإنه من خلال معطيات الواقع ودراسة مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فإن عملية السلام في اليمن ما زالت بعيدة المنال في الوقت الراهن، لأن الحوثيين لن يتنازلوا بسهولة عن مشروعهم ذي الصلة بـ "ولاية الفقيه"، ولن تنصاع لسلام يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات على صعيد الشمال وحق الجنوب في استعادة دولته، وهذا ما هو مُعلن في فكرها وممارستها على الواقع المعاش.
ومن جانبها، فإن الشرعية التي يعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي قوتها الرئيسية لن ترضى بسلام تدخل فيه تحت جناح سلطة الحوثي بعقيدته المُعلنة وبأحقيته في السلطة والمال، خاصة في ظل وضع إقليمي ودولي غير مواتٍ للسلام تتشابك فيه المصالح والحسابات، وأي تفاهمات في ظل هذه الظروف لن تفضي إلى سلام بالمعنى الشامل والعادل.
وأمام هذا الانسداد السياسي لا توجد مؤشرات على حسم عسكري بسبب تخاذل كل قوى الشمال وعلى رأسها حزبي الإصلاح والمؤتمر عن مقاومة الحوثيين وخوض حرب جادة لتحرير الشمال منهم.