المتغيرات السياسية في العلاقات السعودية الأمريكية

العلاقات الأمريكية
العلاقات الأمريكية السعودية

في العاشر من مارس الماضي 2023م برعاية صينية وقّع مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، على اتفاق بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

مثل بيان بكين المفاجأة التي دوت عاليًا في وسائل الإعلام العالمية، حيث تم الإعلان عن اتفاق ينص أيضًا على تأكيد الدولتين احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، إضافة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقّعة عام 2001.

المضامين السياسية وأبعاد الاتفاق كانت مفاجئة، فالأمير محمد بن سلمان أقدم على خطوة أزعجت الغرب ولا سيما أنها أتت بوساطة صينية. الدور الذي أدّته الصين أحدث خضّة في الغرب، فالدولة الآسيوية الكبرى خرجت من سياستها الخجولة لتعلن الاتفاق على أرضها بعد أن كانت واشنطن تقود هذا الدور عالميًا.

بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق تم إعلان التخفيضات الجماعية لإنتاج النفط من قبل أعضاء "أوبك +" لضمان عدم انخفاض الأسعار إلى أقل من 80 دولارًا، كخطوة استباقية في حالة حدوث أي خفض محتمل في الطلب. مما زاد من توتر العلاقات بالفعل بين الرياض وواشنطن.

أبدت الولايات المتحدة عدم ارتياحها من النفوذ الذي اكتسبته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حيث فرضت سيطرة غير مسبوقة على أسواق النفط. أما الخطوة الأخيرة التي أزعجت نوابًا في الكونغرس الأميركي وسبّبت احتجاجات فكانت إعلان إمكانية افتتاح قنصلية المملكة في دمشق وعودة العلاقات مع سورية وعودتها إلى جامعة الدول العربية.

فكانت جولات من المحادثات المتتالية قد جرت بين وفد سوري أمني في الرياض مع مسؤولين سعوديين، حاولت موسكو عبر رئيسها فلاديمير بوتين ووزير خارجيتها لافرورف تشجيع دول الخليج على إعادة العلاقة مع الرئيس الأسد، ودخلا في وساطة لرأب الصدع من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة انخراطها في النظام السياسي العربي.

كان هناك تفاهمًا خليجيًا، على تبنّي سياسة استباقية، فالدول العربية تريد تفادي الخطأ الذي ارتكبته في العراق عام 2003، حيث تركت الساحة العراقية، ولا تريد أن تكرّر الخطأ نفسه في سوريا. فلدول الخليج مصلحة واضحة في تخفيف التوترات الإقليمية، واحتواء الضرر، وإرساء النفوذ حيثما أمكن بما في ذلك في سوريا في إطار الاعتراف العربي بحكم الرئيس الأسد والمساعدات الاقتصادية لسوريا على الرغم من تحذيرات واشنطن.

بينما تقول إدارة بايدن إنها لن تطبّع مع النظام، ولن تشجّع الدول الأخرى على القيام بذلك في غياب التقدّم نحو حل سياسي في سوريا بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2254. الدول العربية وأخذت موقفًا يتناسب مع مصالحها. 

عجّل الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا من هذه الديناميكية، فمساعِدة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف رأت منعطفًا جديدًا في المشاركة في الانفتاح على سوريا حيث قالت إن رسالة الولايات المتحدة إلى الشركاء الإقليميين هي أنه "إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء من أجل ذلك"، في إشارة إلى استعجال السعودية وأبو ظبي بالتوجّه إلى علاقة مع سوريا من دون مقابل. كما أنّ واشنطن كـ "إسرائيل" تمامًا اعتبرت أن العلاقة مع كل من إيران وسوريا هي ابتعاد كبير عن التطبيع واتفاقات أبراهام.

وكانت الرياض قد شكّكت سابقًا في التزام واشنطن بأمن السعودية، بعد سحب المظلة الصاروخية الدفاعية من فوق المملكة. وهي تقف اليوم في موقع الوسط في الصراع الأوكراني، ويفسّر موقفها الرافض لرفع معدلات إنتاج النفط وتخفيض الأسعار رفضًا للمشاركة في العقوبات على موسكو، وكانت قد تقدّمت كدولة إقليمية كبرى لتؤدي دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا.

النزعة الاستقلالية لدول المنطقة الحليفة باتت تزعج واشنطن وباتت تبتعد عن قراراتها، والمصلحة السعودية الحالية باتت أقرب إلى سياسة عدم الانحياز، والابتعاد عن الاستقطاب في العلاقات الدولية بسبب المتغيّرات الحاصلة على الصعيد العالمي. فهي لا تريد أن تدفع الثمن كما في الماضي ولا سيما أنّ لولي العهد مشاريع صناعية جديدة ويحاول أن يرتقي بالسعودية كدولة إقليمية كبرى.