تصفية القرشي: ملابسات وتداعيات اغتيال زعيم تنظيم داعش في سوريا
أعلنت الولايات المتحدة تنفيذ عملية عسكرية تم خلالها اغتيال أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم تنظيم داعش، في 2 فبراير، وذلك في منطقة على الحدود مع تركيا في شمال غرب إدلب. وأكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في اليوم التالي أن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في غارة أمريكية على سوريا "أزال تهديدًا إرهابيًا كبيرًا". كما قال بايدن إن القرشي "فجر نفسه" ما أدى لمقتله ومقتل أفراد عائلته بعد أن حاصرته القوات الأمريكية.
دلالات موقع العملية:
يكشف موقع تنفيذ العملية عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- تورط تركي محتمل: كان القرشي يقيم في طابقين في منزل منعزل يقع في منطقة جبلية في بلدة أطمة. ويبعد المنزل بحوالي 150 مترًا عن نقطة عسكرية لهيئة تحرير الشام (الموالية لتنظيم القاعدة)، و400 متر عن موقع أمني تركي، و800 متر عن تمركز عسكري تركي، أي أنه كان يقيم في مربع أمني محاط بقوات عسكرية وأمنية تابعة للمخابرات والجيش التركي وهيئة تحرير الشام، وفقًا موقع الحرة الأمريكي.
ويلاحظ أن تركيا تتعاون مع هيئة تحرير الشام، والتي تسيطر على مناطق واسعة من أدلب، إذ إن أنقرة تسيطر أيضًا على أهم طرق العبور للمساعدات الإنسانية والتجارة مع الأجزاء التي تسيطر عليها الهيئة في إدلب، والتي تبقيها مفتوحة.
2- دور مرجح لـ "تحرير الشام": يلاحظ أن المنطقة التي قتل فيها القرشي لا تبعد كثيرًا عن منطقة اغتيال زعيم داعش السابق، أبو بكر البغدادي، والذي كان يختفي في أحد المنازل كذلك على اعتبار أن تلك المنطقة كانت من مناطق سيطرة تنظيم حراس الدين، أحد فصائل داعش المتشددة.
ومن الملاحظ أن الشهور الأخيرة قد شهدت قيام هيئة تحرير الشام بطرد تلك المجموعات بهدف توجيه رسالة للولايات المتحدة والغرب بأنها تحارب داعش، وأنها يمكن أن تكون في النظام السياسي البديل في سوريا، وهو ما عبر عنه أبو محمد الجولاني في المقابلة التي أجراها مع محطة "بي بي إس" الأمريكية في النصف الأول من العام الماضي، والتي أكد خلالها أن انتماء تحرير الشام للقاعدة انتهى، وحتى عند الدخول فيها لم تكن تؤيد الهجمات ضد الغرب.
كما يلاحظ أن أحد قيادات داعش المقبوض عليها في العراق صرح بأن القرشي يحظى بعلاقة شخصية طيبة مع أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، وهو ما يرجح أن إقامته في تلك المنطقة كانت باتفاق ضمني مع الجولاني. وما يؤكد ذلك هو قيام هيئة تحرير الشام بسحب جثث اثنين من العناصر الذين قتلوا في عملية الاغتيال من المبنى قبل وصول أية قوى محلية أخرى.
كما يلاحظ أن الهيئة لم تتدخل في الاشتباكات التي دارت على مدار ثلاث ساعات بين القوات الأمريكية والقرشي، وذلك على الرغم من أن حاجزًا للهيئة كان على بُعد مئات الأمتار من موقع استهداف القرشي، وهو ما قد يكون مؤشرًا على أن الهيئة قد كشفت عن مكانه للولايات المتحدة في محاولة لكسب ودها، وإيجاد قبول أمريكي بدور لها في سوريا.
أهداف العملية:
يلاحظ أن الولايات المتحدة سعت من خلال عملية تصفية القرشي تحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- رسائل أمريكية داخلية: يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لتوظيف تصفية القرشي داخليًا على اعتبار أنها رسالة توجه للمجتمع الأمريكي حول استمرار دور واشنطن في مواجهة الإرهاب والقوى التي تهدد حياة الأمريكيين، خاصة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والسلبيات التي انعكست على الإدارة الأمريكية بسببه، فضلًا عن إعطاء مبرر لعدم الانسحاب الأمريكي من سوريا، والذي كان قد أعلنه الرئيس السابق دونالد ترامب قبل أن يتراجع عنه تحت ضغط من الجيش الأمريكي. وبالتالي كانت هناك حاجة لدى الإدارة الأمريكية لإثبات قدرتها على اصطياد القيادات التي تمثل رمزًا للإرهاب.
2- استمرار دور واشنطن: يلاحظ أن إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق قد يؤثر سلبًا على جهود مكافحة تنظيم داعش، خاصة في العراق، إذ إنها تعني توقف دور القوات الأمريكية المباشر في مواجهة الإرهاب، وهو ما حاول تنظيم داعش استثماره للتمدد مؤخرًا، ولذا، فإن الرسالة الأمريكية من العملية تعني أنه رغم اختلاف الدور الأمريكي في العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تستمر في توظيف قواعدها العسكرية في العراق وسوريا في تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف التنظيم وقياداته على اتساع المنطقة.
3- كبح تمدد داعش: يلاحظ أن نشاط داعش قد تصاعد في الآونة الأخيرة، وازدادت رقعة انتشاره في كل من سوريا والعراق بصورة غير مسبوقة، خاصة في صحراء البادية في سوريا، أو في منطقة كردستان العراق، أو مناطق الحدود المشتركة السورية – العراقية، إذ سعى التنظيم خلال الفترة الماضية لاستغلال حالة الانشغال السياسي والأمني في كلا البلدين لتحقيق مكاسب، وكان آخرها مهاجمة سجن غويران في الحسكة، ومعسكر ديالى في العراق، وهروب مئات القيادات، ووصول بعض القيادات الكبيرة إلى تركيا مؤخرًا، حسب المرصد السوري. وهو ما يعني توافر مناخ مناسب لتنشيط عمل التنظيم.
4- محاولة إضعاف المركز: تمدد تنظيم داعش بصورة كبيرة وأعاد انتشار مسرح عملياته في مناطق متعددة، أبرزها أفغانستان وكذلك في منطقة الساحل والصحراء ومناطق في وسط وجنوب إفريقيا، وهو ما يعني تزايد نفوذ التنظيمات الإقليمية لداعش على حساب القيادة المركزية. وبالتالي فإن اغتيال قائد التنظيم في هذا التوقيت يمكن أن يرتب مزيدًا من التشتت لفصائله ولسلطة التنظيم المركزية.
التداعيات على فاعلية التنظيم
يلاحظ أن تصفية زعيم تنظيم داعش قد تكون له تداعيات على التنظيم الأم، أو على أفرعه الإقليمية، وذلك على النحو التالي:
1- تداعيات محدودة على المركز: من المؤكد حسب تقديرات معظم المصادر المعنية بمتابعة تنظيم داعش أن أبو إبراهيم الهاشمي القرشي لم يكن شخصية قيادية مؤهلة بصورة كبيرة لقيادة التنظيم، وجاء تعيينه لقربه من أبو بكر البغدادي. ومن الثابت أنه لم يكن شخصية عسكرية كبيرة مهيأة لقيادة فاعلة للتنظيم، وكل ما قام به منذ توليه كان إعادة هيكلة لبعض مؤسسات التنظيم، بالإضافة إلى تشكيل لجنة مفوضة، تتضمن عددًا محدودًا من القيادات معظمهم عراقيين لتمثيل القيادة المركزية.
كما يلاحظ أنه أسس أربعة مجالس عسكري وشرعي وأمني وإعلامي تقوم باتخاذ القرارات والتنفيذ بصورة لامركزية. ولا يوجد اتصالات بينها وبين القيادة، أو إدارة عمليات المنظمات الفرعية حول العالم، مع وجود مجلس إعلامي مركزي يحاول المحافظة على مكانة مركزية للتنظيم.
وعلى الرغم من أن أي اغتيال زعيم التنظيم يؤدي إلى هزة كبيرة في قواعده وفي الهياكل الإدارية العليا، فإن الاغتيال في هذه المرة قد لا يسبب تأثيرًا كبيرًا على هذا المستوى في تنظيم داعش بسبب طبيعة الهيكل السابق، والذي يعتمد على اللامركزية بصورة كبيرة.
2- الإعلان عن قيادة جديدة: من المرجح أن يسارع التنظيم إلى تعيين قيادة بديلة للإيحاء بتماسكه وعدم تأثره بعملية الاغتيال. وإن كانت المصادر كافة تشير إلى أن الشخصيات أو القيادات الكبرى التي كانت مؤهلة لتولي هذا المنصب، إما قُتلت أو اعتُقلت خلال العام الأخير، وهو ما يعني تصفية الجيل الأول المؤسس للتنظيم تقريبًا، وبالتالي يبقى هناك احتمال تعيين قيادة من العناصر الوسيطة والأصغر التي تفتقد للشعبية على مستوى الأفرع الإقليمية.
3- هامشية التأثير على التنظيمات الفرعية: لم يصدر القرشي أي رسائل إلى أذرع وفصائل التنظيم على اتساع العالم منذ تم تعيينه تتضمن توجيهات لعملها، أو تعليقًا على أنشطة التنظيم وأفرعه المختلفة، سواء في سوريا أو العراق أو على امتداد العالم، بما يعني غياب القيادة المركزية عن لعب دور مؤثر، إذ أنها لا توفر التمويل أو التدريب للتنظيمات الفرعية.
ومن المرجح تبعًا لما سبق أن تزداد حركة الفصائل والأذرع التابعة للتنظيم بصورة منفردة على حساب الحركة المركزية، وإن كان فرع التنظيم في خراسان سيبقى أقوى الأفرع، التي يمكن أن تسعى لفرض الهيمنة على باقي الفصائل، نظرًا لأنه يقوم بتوفير مصادر التمويل التي تسمح بتقديم المساعدة ونقل الخبرة وإمداد المجاهدين للفصائل الأخرى، بما يعني إمكانية انتقال مركزية التنظيم من سوريا والعراق إلى أفغانستان.
وفي الختام، يمكن القول إن تصفية القرشي قد لا يؤثر على فاعلية التنظيم الأم في سوريا، بالنظر إلى أن التنظيم اعتمد أسلوب اللامركزية في الإدارة، كما أن التنظيمات الفرعية المرتبطة به تمكنت من تطوير هياكلها ومواردها وخبراتها العسكرية، من دون الاستعانة بالتنظيم الأم، ولذلك، فإن تصفية القرشي لن يترك أي تأثيرات مباشرة على عملها.
*مركز المستقبل للدراسات المتقدمة