صدور كتاب فخ فرويد.. قرنٌ من العلاقات الجنسيّة بين الـمرْضى والـمعالـجين في عيادات الطبِّ النفسي الفرويدي
صدر حديثًا للكاتب ممدوح الشيخ كتاب بعنوان: "فـخّ فرويد: قرنٌ من العلاقات الجنسيّة بين الـمرْضى والـمعالجين في عيادات الطبِّ النفسي الفرويدي"، وفي تصدير الكتاب تصادفنا عبارة صادمة لإرفين د. يالوم، مؤسِّسُ "العلاج النفسي الوجودي"، تقول: "لقد شعرتُ بإثارةٍ جنسية تجاهالمريضات، وكذلك كلُّ مُعالجٍ أعرفه".
ويؤصل الكتاب قضية المسئولية الأخلاقية للمعالجين، فمنذ زمن الإغريق القدماء والأطباء مؤتمَنون على واجبٍ مقدَّس: العناية بصحة المرضى ورفاههم. وقسم أبقراط، الذي اعتُمد بوصفه الوثيقة التي بدأت، ولا تزال تُلهم، مفاهيمَ الممارسة الطبية الأخلاقية، قدْ يكون مفاجئًا للقارئ الحديث أنَّه كُتب في القرن الرابع قبل الميلاد. هذا القسم تضمَّن نهيًا صارمًا عن "الاتّصال الجنسي بين الطبيبِ والمريض"، ويشير وجودُ هذا الحظر الواضح في القسم إلى أنَّ بعضَ الأطباء انتهكوا الحدودَ الجنسية مع المرضى منذ أقدمِ العصور، وهو انتهاكٌ استمرّ عددٌ مُقلق من المهنيّين الصحيين في ارتكابه بعدَ أكثر من ألفي سنة.
وفي تاريخ الطب الحديث يشكِّل سيجموند فرويد بدايةَ مرحلةٍ جديدة – غير مسبوقة – في تاريخ العلاج النَّفسي، ورغم هالة التقديسٍ التي تحيطُ باسْم فرويد، لا كرائد في تاريخِ علم النفس وحسب، بل بوصفِه الضلعَ الثالث في مثلث صنّاع العقل الحديث: نيكولا كوبرنيكوس، وتشالرز داروين، فإنَّ الحقيقة تظلُّ أهمَّ. وخلالَ العقود الخمسة الماضية شهدتِ الثقافة الغربية توجُّهًا كبيرًا نحوَ إعادة النظر في "إرث فرويد".
ولقد كانت "أريكة فرويد" التي استخدمَها في "التحليل النفسي" مدْخلًا مهمًّا إلى هذا العالم المليء بما هو صادم، وتتبع الدراسات الحديثة رافدًا مهمًّا في تاريخ التحليل النفسي، فكرًا وممارسةً، وهو تأثيرُ "رواية ألف ليلة وليلة" بأجوائها الإيروتيكية. فهل تقدّم غرفة الاستشارات الفرويدية مشهدًا للاستمرار بين التحليل النفسي وشهرزاد وتقاليد الفانتازيا العربية؟.
لقد استخدمَ فرويد الحميميَّة الجسدية، مثل التدليك، في بداية حياتِه المهنية، و"هناك كثيرٌ من المؤلَّفات حولَ الحاجة إلى الامتناع عنْ ممارسة الجنس في العمل". إرفين د. يالوم، مؤسِّس "العلاج النفسي الوجودي"، في زيارة إلى كوبنهاغن؛ تناولَ المشاعرَ الجنسية المحرمة في العلاج من خلال الإعلان مباشرةً عن تجربته: "لقد شعرتُ بإثارة جنسية تجاهَ المريضات، وكذلك كلُّ مُعالج أعرفه".
ومِن الحقائق الملفتة أنَّ دراسة أجريت في أمريكا في عام 1979 أشارت إلى أنَّه حتَّى الاتصال الجنسي بين المعلمين والطلاب في برامج التدريب على "التحليل النفسي" يتزايد، حيث إنَّ 25% من الخرِّيجات اللائي شملتهنَّ الدراسةُ تعرَّضن للتواصل الجنسي مقارنة بنسبة 5% من هؤلاء قبْل 20 سنة. وأدَّى تسليطُ الضوء على انتشار اللمسة الجنسية التي تحدُث في العلاج إلى إثارة نقاشاتٍ نارية، وعدم تصديق وإنكار، بالإضافةِ إلى المزيد من الجهود البحثيَّة الجماعية والموحدة حول موضوعِ اللمس في العلاج في عيادات "التحليل النفسي" الفرويدي. وطوالَ الثمانينيّات والتسعينيّات كان من المعضلات الأخلاقية الرئيسة: أي نوع من التفاعل اللمسي سيكون مناسبًا وأخلاقيًّا، وأين يجب رسمُ الخط؟.
ويقول المؤلف إن مخطط الكتاب بدأ يتَّضح في ذهنه بعدَ مطالعة ورقة بحثية نشرتْ بإحدى الدوريات الأمريكية المتخصصة (Journal of Clinical Psychology)، في العام 2013 كتبَ مؤلِّفوها إنهم يدرسون الحبَّ والمشاعر الجنسيَّة بين المعالج والمريض. واعتمد الكتاب على عدد كبير من المسوحات، النوعية والوطنية، أجريت في أمريكا وبريطانيا واستراليا، وهي مسوحات تمتد تواريخها لسنوات بعيدة، درست العلاقات الجنسية بين الأطباء والمريضات (وأحيانًا المرضى) من الزوايا كافة، كما خضعت لعمليات تحليل متعددة، فضلًا عما أثارته الأرقام من نقاشات أكاديمية وأخلاقية ومهنية.
ويعد "الاعتراف" واسطة العقْد في التَّقاطع بين عدة ظواهر أسهمت في حدوث كارثة الانتهاكات الجنسية في العيادات، وقد انتشرتْ فكرة "السر المُمرِض" على نطاقٍ واسع بينَ رجال الدين والناس العاديّين في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر. وقد لمحت بالفعل تشابهات "بنيوية" بينَ دور المحلل النفسي و"الكاهن"، وقد أبدَى المحللُ النفسي البريطاني الشهير ديفيد مان ملاحظةً عبقرية عندما أشار إلى أنَّ فرويد "حاول تحقيق المستحيل: لقد أسَّس التحليل النفسي على الطبيعة الشاملة للرغبة الجنسية أو قيادة الغزيزة الجنسية للعقل، بينما حاول في الوقت نفسه تقليلَ وجود الإثارة في غرفة العلاج، وبخاصَّة عند المعالج". ويضيف مان: "إنَّ محاولة التخلص من الإثارة الجنسية...... تتشابهُ مع بعض أساطير التوالد العذري".
وفي عبارةٍ تستوحي سحرَ المدوّنات التاريخية التي تتناول حقبةً تمتدُّ لمائة عام لخَّصت الدكتورة جوديث إل ألبرت، (عضو هيئة التدريس في جامعة كولومبيا) المأساةَ المتوارية عن الأنظارِ في عنوان ورقتها البحثيَّة: "انتهاكات الحدود الجنسية: قرنٌ من الانْتهاكات الجنسية وقتَ التحليل النفسي"، مؤكدةً أنَّ الانتهاكات الجنسية تمَّ دمجها "في نسيج تاريخ "التحليل النفسي" بشكل وثيق"!