بين الصعود والهبوط: خارطة مستقبل لمصير التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية
أدى تدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط في أعقاب ثورات الربيع العربي إلى تأسيس وإعادة دمج عدد من الجماعات الإرهابية والتنظيميات المتطرفة والعنيفة وظهور بعضها على الساحة الدولية مرة أخرى.
ففي أعقاب سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها فيما بعد عدد من الدول حركة إرهابية، على مقاليد الحكـم في عدد من دول الشرق الأوسط لا سيما في مصر واليمن، فتح ذلك الطريق أمام الجماعات الإرهابية والعنيفة المتسربلة بالدين للظهور مجددًا ولكن بشكل أكثر حدة ودموية على الساحتين الوطنية والإقليمية خصوصا بعد الدعم الذي تلقته هذه الجماعات من جانب أطراف إقليمية في الشرق الأوسط التي تستغلها لبسط نفوذها في المنطقة.
اليمن
مؤخرًا تصاعد نفوذ تنظيمي القاعدة وداعش بشكل لافت في جنوب اليمن ما شكل تهديدًا مستمرًا داخليًا ورفع طموحات هذه الجماعات في إحياء قدراتها الإرهابية عالميًا.
تزامن انتشار القاعدة وداعش في ظل جهود أمنية "وقائية" لمجلس القيادة الرئاسي بدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية، واستبقت التنظيمات الإرهابية وبدعم حوثي وغطاء إخواني، تحركات المجلس الرئاسي بشن سلسلة من الهجمات الارهابية والانتحارية والاختطافات.
من جانبها وفرت جماعة الحوثيين المسيطرة على الشمال، بالتخادم مع الإخوان، وفرت غطاءًا أمنيًا لحماية قيادات القاعدة وداعش من الضربات الجوية للطيران الأمريكي والتحالف، فضلًا عن الدعم المالي والاستخباراتي وإطلاق سراح عناصر هذه التنظيمات الإرهابية من سجون المخابرات العسكرية بصنعاء وسيؤون.
وهذا ما أكده تقرير حديث قدم إلى مجلس الأمن الدولي بأن جماعة الحوثيين عملت على إيواء عناصر للقاعدة وإطلاق سراح السجناء وعودتهم إلى التنظيم للقيام بعمليات إرهابية مقابل توفير التدريب لمقاتلي الحوثي.
وعن حجم قوة القاعدة، أوضح أن "الدول الأعضاء تقدر قوة التنظيم الإرهابي ببضعة آلاف من العناصر، تتكون هذه القوة بشكل أساسي من السكان اليمنيين مدعومين بأعداد صغيرة من الأجانب".
بعض التقارير الإعلامية كانت قد أشارت إلى أن القاعدة هيمنت بالفعل على تنظيم داعش في اليمن وذلك بعد حرب تسليم واستلام لصالح القاعدة في البيضاء. وكان تنظيم داعش الإرهابي توعد بإطلاق عمليات إرهابية في المحافظات المحررة، فيما هاجم تنظيم القاعدة مجلس القيادة الرئاسي وتحالف دعم الشرعية وذلك عقب نقل السلطة إلى مجلس القيادة في أبريل الماضي.
سوريا
وقد كان من نتائج ذلك استمرار الصراع والحرب الأهلية في سورية التي تورطت فيها أطراف إقليمية ودولية لها مصالحها مما فتح الباب أمام تلك الجماعات الإرهابية لدخول هذا البلد من خلال بوابة التوازنات الدولية والإقليمية سواءً تمثلت في جبهة النصرة أو تنظيم داعش أو حتى تنظيم القاعدة وغيرهم من الحركات الجهادية المتطرفة، والتي بتدخلها أضاعت القضية السورية وحولتها من قضية وطن إلى مجموعة من الجماعات أو العصابات المتصارعة.
داعش
ما حدث في سوريا حصل مثله في العراق، فقد أدى الاضطراب الأمني والسياسي الكبير إلى ظهور جماعات متطرفة جديدة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والذي سرعان ما أعلنت معظـم التنظيمات الإرهابية الإقليمية، بل وبعض التنظيمات الإرهابية الدولية الولاء له خصوصًا بعد المكاسب التي حققها التنظيم على أرض الواقع، وهو ما ساعد على امتداد نفوذه إلى شمال إفريقيا ودول القرن الأفريقي ودول غرب إفريقيا ودول آسيا الوسطى، وذلك بعد أن استولى التنظيم على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسورية بالإضافة إلى هجرة عدد كبير من المرتزقة من أوروبا والولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وانضمامهم إلى التنظيم، وهو ما مكنه – أي التنظيم – من إنشاء شبكة نفوذ اقتصادي كبير قائم على التهريب ولا سيما النفط من المناطق التي يسيطر عليها وعن طريق تسهيلات قدمتها أنظمة إقليمية للتنظيم كواجهات ووسطاء اقتصاديين وتجاريين لترويج المشتقات النفطية الشهرية مما أدى إلى زيادة الثقة في صفوف التنظيم الإرهابي خصوصا بعد اتحاد التنظيم مع عدد من الجماعات المعارضة في الشرق الأوسط وخصوصا حركات الإسلام السياسي التي تتخذ من العنف والتطرف أدوات لتحقيق استراتيجيتها من أجل السيطرة على الشرق الأوسط وإقامة نظام الإمارة الإسلامية في الإقليم مستغلة ضعف الدول في العراق وسوريا وغيرها من الدول التي نفذ إليها التنظيم خلال فترة وجيزة.
سياسات خاطئة
أضف إلى هذا رُجوع المسؤولية الكبرى فيما آلت إلية الأوضاع في الشرق الأوسط وصعود تلك الجماعات الإرهابية إلى المشهد بهذه السرعة إلى السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة بشكل منفرد دون إشراك معظم الحلفاء الإقليميين خصوصًا أثناء الربيع العربي 2011 وبعده، بالإضافة إلى سياسة المواءمات التي انتهجتها الإدارة الأمريكية مع بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ما شكل دعمًا غير مباشر للتنظيمات الإرهابية في المنطقة.
مستقبل التنظيمات الإرهابية
تتمثل محددات مستقبل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في الشرق الأوسط في مجموعة من المحددات تتعلق بالبيئة الجغرافية، والتركيبة الاجتماعية المحيطة بمناطق تمركز هذه التنظيمات، والبيئة السياسية، والمنطلقات الفكرية، والبنية العقائدية والتنظيمية، والتنافس والصراع التنظيمي، إضافة إلى التعاون المعلوماتي والتنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول لمواجهة هذه التنظيمات.
شكل الصراع والتنافس الإقليمي في الشرق الأوسط أحد أهم محفزات صعود جماعات الإسلام السياسي الإرهابية في المنطقة حيث استفادت تلك التنظيمات من المواءمات السياسية التي مارستها بعض تلك الدول بالإضافة إلى التعاطف والدعم الذي وجدته، مما وفر لها الملجأ والتمويل لصعود تلك الجماعات في السنوات الأخيرة.
وكما شكلت المحددات السابقة محفزات لتلك التنظيمات وصعودها، فقد شكلت التحركات الدبلوماسية والاستخبارية بين بعض دول الإقليم خاصة المعتدلة منها في محاصرة نفوذ تلك الجماعات وأبطأت عملية صعودها خاصة في ظل المقاربات التي تبنتها بعض دول المنطقة ولا سيما السعودية والإمارات والبحرين ومصر والدور الذي اضطلعت به القوات الجنوبية اليمنية في مكافحة بدعم من التحالف العربي وبقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.