كيف يؤثر إعدام الكلاب الضالة على التنوع البيولوجي والبعد البيئي؟
يوجد في مصر الآلاف بل الملايين من كلاب الشوارع فلا تكاد تخلو مدينة منها سواء ريفية أو حضرية.
أدى هذا الانتشار لكلاب الشوارع لمحاولة الحكومة المصرية التعامل معه، وهو ما تبين في إطلاق مصر "الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030" والتى تضمنت مبادرة خاصة للقضاء على السعار الخاص بالكلاب مع حلول سنة 2030، وهو ما يتواكب مع "استراتيجية منظمة الصحة العالمية" في هذا السياق
لكن ما هى خطة الحكومة وإجراءاتها لمواجهة انتشار كلاب الشوارع، وكيف يتم النظر التنوع البيولوجي والبعد البيئي والصحي أيضا والتأثير على التربة والإنسان حين التعامل مع ظاهرة انتشار "كلاب الشوارع".
قتل كلاب الشوارع بسم محظور دوليا:
تطلق وحدات الإدارة المحلية في مصر عدة حملات لمكافحة انتشار الكلاب في الشوارع، وذلك بالتعاون مع مديرية الطب البيطري، ويتم ذلك عن طريق قتل الكلاب بالخرطوش أو بإلقاء طعام مسمم بسم الاستركنين المستخدم لمكافحة انتشار الكلاب، والتى بلغت أعدادها 20 مليون كلب ضال، حسب دراسة أجراها طبيب بيطري بوزارة الزراعة.
وقال محمد عثمان مدير الطب البيطري بمحاقظة المنيا، في تصريحات صحفية، إنّ مواجهة الكلاب الضالة تتم باستخدام مادة "سلفات الاستركنين" لإعدام الكلاب بالقرى والنجوع، مشيرا إلى أن الحملات تتم بوجود أطباء بيطريين.
وبالعودة إلى الإطار التشريعي لاستخدام سم الاستركنين المحظور دوليا نجد أن وزير الزراعة المصري الأسبق قد أصدر في عام 1967، قرارا ينص على إلزام "الإدارات البيطرية بتسميم الكلاب والقطط الضالة التى توجد فى الطرق العامة أو إعدامها بأية طريقة ثم دفن جثثها أو حرقها"، حيث تختص الهيئة العامة للخدمات البيطرية، التابعة لوزارة الزراعة، بالمسئولية عن تسميم كلاب الشوارع.
في حديث لـ "متن نيوز" قالت دينا ذو الفقار الناشطة فى حقوق الحيوان، إن الحكومة المصرية أطلقت استراتيجية للتنمية المستدامة 2030 وتحتوى على ينود لمكافحة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، لكن لم تتخذ الحكومة أى خطوات للحد من هذه الأمراض وتحقيق التوازن البيئي وتعزيز التنوع البيولوجي.
واعتبرت ذو الفقار أن القضاء على الكلاب في مصر، وهى أحد الأنواع الأصلية، تتنافي تماما مع أهداف تعزيز التنوع البيولوجي في مصر خاصة أنه يتم قلتها باستخدام سم محظور دوليا وهو "سم الاستركنين"، الذي يعتبر جريمة ضد حقوق الحيوان ويقضي على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي أيضا.
وتشير الأبحاث العلمية عن سم الاستركنين إلى أنه مادة شديدة السمية وخطيرة على البيئة حسب موقع "”pubchem المتخصص في أبحاث المواد الكيمياء والمستحضرات الطبية، فهو نوع من السموم المحرمة استخدامها في العديد من الدول.
"هذه المادة سامة جدا وخطيرة على الحياة المائية وتأثيراتها طويلة الأمد لأنها لا تتحلل بسهولة فى الماء أو التربة، كما أن الجرعة القاتلة منها عن طريق الفم في البشر أقل من 5 ملغ/ كجم، أى أقل من 7 قطرات كافية لقتل شخص بالغ لأنه يسبب تشنجات عنيفة وشلل للجهاز التنفسي في مدة تتراوح بين 15 إلى 60 ثانية" حسب الدراسة.
ويوضح موقع بوابة المشتريات الحكومية المصرية، أن هناك العديد من المناقصات المصرية المطروحة حديثا، لاستيراد مادة "سلفات الاستركنين"، وهو ما دعا المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لرفع دعوى قضائية فىي 19 أكتوبر 2020، ضد رئيس الوزراء ووزير الزراعة ووزير الصحة وآخرين لمطالبتهم بمنع استخدام سم الاستركنين نهائيا لأنه محظور دوليا، حيث إن مادة الاستركنين هي واحدة من أكثر 10 مواد خطرة على مستوى العالم.
وتستورد مصر ما يقرب من 100 طن استركنين سنويا من الهند، بما يقدر بمليار جنيه سنويا، وذلك حسب وزارة التنمية المحلية في مصر.
خطر يهدد التنوع البيولوجي في مصر:
تشير ذو الفقار إلى أن التوسع الحالى فى قتل الكلاب المصرية يمكن أن يؤدئ إلى انقراضها وهي فصيل أصيل من الحيوانات فى مصر، مستنكرة هذه الممارسات تجاه النظام البيئي والتنوع البيولوجي، بالرغم من إن مصر أن مصر كانت حاضنة لمؤتمر الأمم المتحدة التنوع البيولوجي في عام 2018، كما احتضنت مؤتمرCOP27 مؤخرا.
بدوره أكد مصدر حكومي مسؤول من الهيئة العامة للخدمات البيطرية، رفض نشر اسمه، إن الحكومة تكافح انتشار الكلاب الضالة عن طريق سم الاستركنين بالفعل، بواسطة أطباء بيطريين متخصصين، مؤكدا أنه "سم الاستركنين" بالرغم من خطورته لكنه هو "الحل العملى الوحيد" لمكافحة الكلاب في مصر، لأن الحلول الأخرى تتطلب موارد مالية ضخمة وطاقة بشرية كبيرة أيضا وهو ما لا يتوافر في مصر فى الوقت الحالى، حسب تعبيره.
ويؤكد المصدر الطبي أن الحلول الأخري تتمثل في عمليات الإخصاء للكلاب، وهي عبارة عن إجراء عمليات جراحية تحتاج أطباء متخصصين، وفرق لصيد الكلاب ثم إجراء العمليات، كما هناك تكلفة أيضا لعمليات التخدير وأجور الأطباء البيطريين وخلافه، لذا تلجأ الدولة إلى استخدام السم لأنه أسهل وعملى بشكل أكبر.
ويؤكد ذات المصدر في حديثه لـ "متن نيوز"، أن أعداد كلاب الشوارع في مصر وصلت إلى 20 مليون، مشيرا إلى ازدياد حالات عقر الكلاب المسعورة للإنسان في مصر وانتشارها بشكل كبير في الشوارع وتهديد الأطفال ما يستلزم مواجهتها بالقتل بالخرطوش أو بسم الاستركنين، على حد تعبيره.
كل هذه الإجراءات تتم عادة فى المناطق الفقيرة في مصر ما يؤدي إلى إمكانية تأثر المواطنين الأقل حظا بتأثيرات التربة والبيئة الناتجة عن استخدام هذه السموم المحظورة دوليا، وهذا ما يؤكده "جاي ستاندينج"، أستاذ باحث مشارك بجامعة SOAS في لندن، في التقرير الصادر عن معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، حيث يقول "إن هناك خرق لقواعد العدالة البيئية، وهذا ما دعا إلى ضرورة بحث تدشين عقد اجتماعي بيئي جديد بين الحكومات والمواطنين، عقد جديد يتأسس على مزيد من المساواة بين جميع الطبقات فيما يتعلق بتحمل نتائج تدمير البيئة من جهة، والاشتراك سويا في العمل تجاه تحسين شروط المسئولية تجاه البيئة، على قدم المساواة بين جميع الطبقات، فلا يجب أن تتحمل الطبقات الفقيرة وحدها عبء تدمير البيئة، الذي تم بالأساس لأغراض رأسمالية ربحية استفاد منها الأغنياء وأصحاب المصانع على مستوى العالم، غير عابئين بالتلوث البيئي وما أحدثه من أضرار خاصة بالنسبة للطبقات الفقيرة والأقل حظا الذي بلغ تعدادهم 120 مليون مضار من التلوث البيئي حسب التقرير الصادر عن معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، وهو ما نحتاج إلى الانتباه إليه في الفترة المقبلة.
إخلال بالنظام البيئي والسلسلة الغذائية:
من جانبه يقول الدكتور عاصم عبد المنعم، الأستاذ المساعد بالمعامل المركزية للمناخ الزراعي، إن إعدام كلاب الشوارع وتقليل أعدادها سينتج عنه بالضرورة خللا بيئيا في السلسلة الغذائية، حيث أدى انخفاض أعداد الكلاب بسبب قتلها في عدة أماكن في مصر، لانتشار الزواحف والكائنات الأخري التى يمكن أن تلحق ضررا بالإنسان مثل الثعابين والفئران وأيضا.
وييرى عبد المنعم أن مكافحة انتشار كلاب الشوارع يجب أن تكن بنقلهم إلى ملاجئ للحيوانات، أو تطعيمهم حتى يمكن الوقاية من حالات السعار، مؤكدا أن طريقة تعامل المواطنين مع الكلاب مؤذية أيضا فالعديد من المواطنين يضربون الكلاب أو يتعاملون معهم بعنف شديد.
وحذر عبد المنعم من خطورة انقراض الكلاب في مصر بسبب تأثير ذلك على النظام البيئي ككل، موضحًا أن بعض جينات النباتات المصرية انقرضت ولم تعد موجودة حاليًا.
وأشار إلى أنه في حال استيراد بعض أنواع النباتات من الخارج نكتشف إنها لا تلائم التربة المصرية والظروف الجوية أيضا ويمكن أن تنقل أمراض لا نعرفها، وهو ما حدث عند استيراد القمح المكسيكي في سبعينيات القرن الماضي، وظه حينها نوع جديد من صدأ القمح يختلف عن ما نعرفه وهو ما يستلزم أبحاثًا ودراسات تمتد لعشرات السنين حتى يمكن السيطرة على المرض الجديد وبالتالي فشلت تجربة استيراد القمح من الخارج.
ويتوقع في ختام حديثه أن الكلاب المصرية لن ينقرض فى الوقت الحالى لأن الأمر لم يصل لمرحلة الصيد الجائر، وأن ما يحدث فقط هو استهداف للكلاب فى عدة مناطق عن طريق وسائل غير آدمية وهى القتل بالخرطوس أو سم، الاستركنين وهو ما يستلزم تغيير هذه الطريقة من جانب الدولة في أقرب وقت ممكن حتي لا يحدث تهديد للتوازن البيئي وتأثر التربة والبيئة سلبيا عن طريق هذه الأنواع من السموم المحظورة دوليا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم تنفيذ ومراجعة هذا التحقيق باستخدام المادة المقدمة في تقرير "أزمات عدم المساواة: تحويل السلطة لعقد اجتماعي- بيئي جديد "الصادر عن معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، كمرجع موثق.