إطلالة على طبيعة العلاقات الإماراتية الروسية في ضوء الحرب بين موسكو وكييف
استقبل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، اليوم الخميس، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، في موسكو. وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي يجري زيارة رسمية إلى موسكو: "نطور العلاقة مع روسيا ونعمل على تنويع مجالات الترابط بين حكوماتنا".
وأضاف: "من المهم أن نبحث الأزمات المختلفة حول العالم بما فيها أوكرانيا وسوريا واليمن ولبنان وغيرها". وقال "حوارنا مع الجانب الروسي كان مثمرا ويؤكد عمق الشراكة الاستراتيجية بين الإماراتوروسيا"(1)
في الموضوع التالي نحاول تسليط الضوء عن بعض محطات وعلامات العلاقات الإماراتية الروسية وموقف الإمارات من الأزمة الأوكرانية.
ترتبط دولة الإمارات والإتحاد الروسي بعلاقات استراتيجية قوية وراسخة ومتطورة ويجمعهما شراكة استراتيجية مثمرة تجسد الإرادة المشتركة من كلا البلدين للارتقاء بهذه العلاقات نحو آفاق أرحب من أجل مستقبل مزدهر ومستدام للبلدين وشعبيهما.
شهد مسار العلاقات الإماراتية - الروسية نقلة نوعية مع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في العام 2018، وتطورت أوجه التعاون الإماراتي الروسي في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك في ظل رعاية واهتمام من قيادتهما.
وصلت العلاقات لهذا المستوى نتيجة رغبة متبادلة من قيادتي البلدين، وتبادل الزيارات على أعلى مستوى، منها الزيارة المهمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى موسكو في الأول من يونيو عام 2018 والتي تم خلالها توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، والزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات منتصف أكتوبر 2019، وهذا مؤشر كبير لوجود إرادة سياسية مشتركة لتطوير وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
كان الرئيس الروسي قد أدلى بتصريحات قبل زيارته للإمارات قال فيها: «لن أكشف سرًا كبيرًا إذا قلت إننا على اتصال دائم مع قيادة دولة الإمارات، بل ونشأت لدينا تقاليد علاقات محددة، فلدينا إمكانية ضبط الساعة على توقيت واحد في اتجاهات وقضايا مختلفة، تعود بالفائدة الكبيرة على المنطقة بأسرها، ونحن ننظر لدولة الإمارات كونها أحد الشركاء الواعدين والقريبين جدًا».(2)
أرقام تتحدث عن نفسها:
تضاعفت التجارة بين روسيا والإمارات 10 مرات منذ عام 1997 عندما عقدت لأول مرة أعمال اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي، حسب ما قاله وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، والذي توقع أن تنمو التجارة البينية بين الإمارات وروسيا إلى 4.5 أو 5 مليارات دولار بنهاية العام 2021م.(3)
توجد هناك استثمارات إماراتية في 60 مشروعًا روسيًا، كما توجد في الإمارات نحو 576 علامة تجارية و25 وكالة روسية حتى عام 2018، حسب ما قال لوكالة الأنباء الإماراتية "وام" عبدالله آل صالح وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وبلغ التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من 2015 حتى 2020 نحو 55 مليار درهم، وفق بيانات وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، وتنظر روسيا إلى الإمارات باعتبارها بوابة للاستثمارات والصناعات الروسية، ومركزًا لاستيراد وتصدير السلع والبضائع الروسية إلى مختلف دول الشرق الأوسط وإفريقيا.
كل هذا يؤكد أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد تقدمًا سريعًا في مختلف المجالات، لا سيما مجالات الاقتصاد الجديد مثل الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والابتكار والاقتصاد الدائري ومختلف القطاعات الاقتصادية الجديدة، إلى جانب مختلف القطاعات الحيوية.
تطلعات وآفاق:
لا تتوقف العلاقات الاقتصادية عند هذا الحد، فالقطاع السياحي يمثل ركيزة أساسية للتعاون بين البلدين، حيث زار الإمارات في عام 2018 نحو مليون سائح روسي، كما استأنفت شركات الطيران الروسية والإماراتية رحلاتها إلى عدة وجهات في البلدين، وهناك تعاون في مجال اللقاحات، وبروز التعاون في مجال الفضاء، حيث أثمر التعاون بين البلدين وصول هزاع المنصوري أول رائد فضاء عربي إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، التي قضى فيها 8 أيام ضمن بعثة فضاء روسية.
تعامل الإمارات مع أزمة أوكرانيا:
لفهم رؤية دولة الإمارات في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تستهدف التوصل لحل دبلوماسي في أسرع وقت، لا بد من فهم قرار دولة الإمارات العربية المتحدة الامتناع عن التصويت على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وألبانيا في مجلس الأمن الدولي 25 فبراير 2022م وأحبطته روسيا باستخدام حق النقض "الفيتو".
أن لدولة الإمارات تاريخا حافلا في نشر السلام وترسيخ الاستقرار حول العالم، زودها بخبرات كبيرة، تؤهلها للتدخل والوساطة عبر حلول دبلوماسية واقعية تحل الأزمات لا تعقدها، وتحمي المدنيين لا تضحي بهم، وذلك في إطار احترام وتطبيق القوانين الدولية ومراعاة الأوضاع الإنسانية.تلك الوساطة تتطلب حيادا إيجابيا، يتيح لعب دور إيجابي يسهم في حل الأزمة عبر فتح قنوات حوار وتفاوض تسهم في تقريب وجهات النظر.وامتناع دولة الإمارات عن التصويت صب في صالح تحقيق هذا الحياد الإيجابي لا سيما أن التصويت في مجلس الأمن في ضوء الفيتو الروسي هو "تحصيل حاصل"، وأن امتناع دولة الإمارات لن يعرقل القرار، المعروف سلفا أن روسيا ستستخدم حق الفيتو ضده.
ثاني تلك الأمور أن دولة الإمارات منذ بدء عضويتها في مجلس الأمن الدولي يناير/ كانون الثاني الماضي، أخذت على عاتقها دعم الأمن والسلم الدوليين، خلال فترة ولايتها التي ستستمر عامين، وهو ما تعمل على تحقيقه الآن بشتى السبل.
في يومي1 و3 مارس 2022م أجرى الشيخ محمد بن زايد على التوالي اتصالين هاتفيين مع كل من الرئيسين الروسي بوتن والأوكراني زيلينسكي أكد فيهما على الحل السلمي لهذه الأزمة.
وهكذا تسير الدبلوماسية الإماراتية بخطوات حكيمة ومدروسة تخدم مصالحها ومصالح الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
المراجع:
1- العين الإمااتية 17/3/2022م
2- العين الإماراتية 8/12/2022م
3- خلفان النقبي، صحيفة الإتحاد الإماراتية 25/7/2021م